حضرموت اليوم / غيل باوزير / أحمد عمر باحمادي - تصوير / محمد سعيد باوزير - تحفل النقعة بالكثير من المظاهر التراثية المتنوعة والمتعددة شأنها شأن الكثير من مناطق حضرموت الغنية بها، لكن ما يميزها عن بقية المناطق هو احتضانها لفعالية رائعة وبديعة ألا وهي فعالية ( عواد الشيخ )، أو بما اشتهرت به تحت مسمى الـ ( شيخنا جيناك )، هذا الكرنفال التراثي الذي تنصهر فيه الكثير من العادات والثقافات والموروث التقليدي لمناطق مجاورة للنقعة كـ ( غيل باوزير )، و ( شحير )، و ( القارة )، و ( الصداع ) ، كما تُعدُّ إلى الوقت الحاضر إضافة إلى طابعها التراثي؛ ملتقى تجارياً واجتماعياً كبيراً يجسّد بكل معنى الكلمة أواصر الأخوة والقربى والحب والتواصل بين أبناء المديرية، بل والمديريات الأخرى . أحببنا في هذه العجالة أن نستعرض هذه العادة الجميلة حتى يتم التعريف بها من خلال موقعنا الرائد ( حضرموت اليوم ) إلى كافة الشرائح الحضرمية في الداخل والخارج، مستعينين ببعض المعلومات المبسطة الخالية من التعقيد والتعمق التاريخي ومن الغموض، أو الغوص إلى تفاصيل قد لا تفيد القارئ الكريم . جاءت هذه التسمية ( عواد الشيخ )، أو الـ ( شيخنا جيناك ) من عادة المجيء لعواد الشيخ ( المنصب ) خلال حياته، وذلك أن منصب النقعة كان يمتلك أرضاً قريبة من منطقة تُدعى ( القارة ) وهذه المنطقة الزراعية تُسمى ( النقاع ) إذ كان يعمل بها ويفلحها بعض الأسر المعروفة في هذه المنطقة، ومع حلول العيد تهبُّ هذه الأسر وتتجمع في منطقة القارة ومن ثم تتوجه إلى النقعة مشياً على الأقدام، حاملين معهم رأس الغنم هدية للمنصب بمناسبة العيد السعيد، أما كبار السن ممن لا يقوَوْن على المشي فيركبون الحمير، إذ إن وسائل المواصلات لم تكن متوفرة في ذلك الوقت، يصل الجمع الراجل إلى النقعة برقصة ( المرزحة ) فُستقبلون بحفاوة بالغة، وترحاب، ويتجمع الناس لرؤيتهم ومشاهدة رقصتهم الرائعة التي لا تتكرر إلا مرتين في العام. صبيحة هذا اليوم يتوافد أصحاب البسطات إلى ساحة محددة بالمنطقة، ويفترشون فيها عارضين بضائعهم المحتوية على الحلويات الحضرمية المحلية المعروفة كالحلوى والمشبّك والمتيّن والمجلجل والمكسرات وغيرها، ويقبل الناس بشغف على شراء هذه الحلويات والمكسرات اللذيذة التي يعتبرونها من أفضل المعروضات وتستهويهم لأكلها كونها تعطي طابعاً حلواً بالعيد السعيد، إضافة إلى ألعاب الأطفال التي يتهافتون عليها ويصرفون فيها معظم ما ادخروه من مبالغ، وما جمعوه من الأقارب خلال عملية العواد . وخارج ساحة الـ ( شيخنا جيناك )، وفي ثنايا البيت النقعي بالذات الذي اتسم بالكرم والحفاوة بالضيف الزائر، تجد ربات البيوت ومنذ الصباح الباكر يقمن بتجهيز وتهيئة البيوت وتنظيفها وترتيبها بحيث تكون حسنة المظهر لاستقبال المعاودين رجالاً كانوا أم نساءً، ويُقدَّم للمعاودين خلال العواد العصير والمعجنات والحلويات . ومما هو متعارف عليه أن اليوم الثاني من أيام العيد هو اليوم الذي يأتي فيه الأقارب والأرحام من خارج النقعة لمن له صلات قربى ـ وما أكثرها ـ بالمناطق الأخرى كالغيل والقارة والصداع وشحير والمكلا وغيرها من المناطق القريبة والبعيدة، فالناس تداخلوا في بعضهم البعض واتسعت صلاتهم . مع انطلاق أول أشعة الشمس تبدأ صفارة البداية ليوم غاية في الروعة والجمال، إذ يبادرنا الأطفال الصغار بإشعال الصراقيح ( الطماشات ) لتعطي أصواتها المزعجة إيذاناً ببدء الكرنفال السنوي البهيج، وما هي إلا أوقات قصيرة من صباح يوم العيد الثاني حتى يتوافد الناس إلى النقعة من كل حدب وصوب، لتكتظ الشوارع والساحات العامة بالسيارات والدراجات النارية بمختلف الأشكال والأحجام، ويبدأ عرض الأزياء للشباب والأطفال، فترى في ملابسهم وأزيائهم وقصّات شعرهم كل غريب وعجيب من الموضات والتقليعات التي لم يعهدها أهل النقعة . بعد حوالي الساعة التاسعة من صباح ذلك اليوم تغدو النقعة كخلية نحل تموج بالحركة والنشاط فترى المعاودين والمهنئين ينتقلون من دار إلى أخرى زرافات ووحداناً، ومجاميع أخرى تتجه صوب الساحة المخصصة للـ ( شيخنا جيناك ) للتسوق وآخرون للاطلاع والمشاهدة وإشباع غريزة الفضول، وآخرون لمشاهدة الألعاب الشعبية التراثية كلعبة المرزحة . وهكذا تصير النقعة في اليوم الثاني من العيد لوحة طبيعية فنية تراثية متحركة مشبعة بأزهى ألوان الطيب، مكتسية أثوابَ الربيع، متعطرة بعبير الماضي ومترعة بعبق الموروث البهي البديع.
إضافة تعليق