صور من حياة الفقيد بن شملان في لقاء خاص مع زميله (موسى سقاف العيدروس)

حاورة /أحمد بن حميدان 
مساء الجمعة 1/ يناير 2010م فُجع الجميع بنبأ أفول نجم سطع اسمه في سماء اليمن، جمع صفات العظماء، وعبقرية الأفذاذ، الجبل الأشم الغضنفر، رجل التغيير، ركن النضال السلمي، الأستاذ القدير: فيصل بن شملان. أمثاله تموت أجسادهم ولكن ذكرهم لا يموت.
السطور التالية محاولة لفهم تلك الأسطورة في حوار خاص مع المهندس: موسى سقاف العيدروس أحد الشخصيات  التي يعتز بها الأستاذ فيصل رحمه الله رحمة الأبرار.

•       أهلاً بك في صحيفة (الشروق ) وعظم الله أجرك في وفاة فقيد الوطن، وأبدأ الحوار معك مباشرة بالسؤال التالي: بعيداً عن أبجديات التعريف .. من هو بن شملان ؟
الأستاذ فيصل بن شملان رحمه الله أحد رجالات اليمن الذين قليلاً ما يتكررون وهو واحد من الذين يجمع عليهم الناس بمختلف شرائحهم وانتماءاتهم حتى الذين يختلفون معه وهو كما يقال من الذين قلّ الزمان أن يجود بأمثالهم .
•       يعرف عنك أنك تتمتع بعلاقة متينة مع الأستاذ فيصل بن شملان .. كيف نشأت ؟
وإن كانت أخوة الدين جمعتنا إلاّ أن علاقتي به هي علاقة التلميذ بأستاذه  فقد كان في سن والدي رحمه الله، لذا كنت فيما يقارب عشرين سنة متعلماً منه أرشف من ثقافته وخبرته وعلمه .
•       كيف تأثرت به ؟
تصحّحت لدي الكثير من المفاهيم وتعمقت الرؤيا لدي عن القضايا المحلية والدولية والإقليمية بل إنني أستطيع القول أنني قد تأثرت من خلال شخصه الكريم في كثير من سلوكياته وأما عن كيفية نشوء العلاقة بيني وبين أستاذي الفاضل فهذا يعود إلى سنين طويلة مضت .
•       منذ متى تقريباً ؟
أستطيع القول إن علاقتي به كانت على مرحلتين: الأولى غير مباشرة وإنما عبر قراء ة بعض الكتب والمجلات التي يمنع دخولها وتداولها في اليمن فبحكم موقعه وشخصيته كان يحمل معه من الكويت بعض الكتب للشيخ  الغزالي  رحمه الله وغيره وكذا مجلة المجتمع  الكويتية فكانت هذه نافذة نطل منها على الثقافة الإسلامية.
أما المرحلة الثانية في أواخر الثمانينات وأوائل التسعينيات تعمقت فيها العلاقة  عبر جلسات وحوارات متنوعة خاصة وعامة وهكذا تطورت العلاقة حتى صارت تدور حول  الهموم المشتركة وقضايا الناس والأمة والدين.
•       تشرفتم بقربكم ومعايشتكم للأستاذ فيصل .. هلاّ أطلعتم القارئ الكريم على بعض صفاته الجوهرية التي تُخفى على كثير من محبيه.
وإن كنا لا نزكي على الله أحداً إلاّ أن ذكر المحاسن من باب التأسي مطلوب وما عرفته عنه أنه كان يتمتع بصفاء السريرة ونقاء النفس مهما اختلف مع شخص ما أو أحس منه شيئاً من الظلم.
•       عندك أمثلة على ما تقول؟
عندي على ذلك أمثلة لكن ليس المقام مناسباً لإيرادها إلاّ أنني ما رأيته قط يعامل من اختلف معه بنفس المعاملة بل ربما كان هو المبادر في معظم الأحيان تجاهه بالإحسان.
•        لكنه رفض تهنئة الرئيس!
لا يريد أن يقر الظلم ويقول للظالم أحسنت ففي هذه الحالة يصير هذا إحسان وليس ظلماً فالظالم تنصره بأن تمنعه عن ظلمه.
•       إذاً دعنا نكمل تعداد محاسنه.
كان رحمه الله مثالاً للمنصف الذي يقدر الأشياء بقدرها فهو مثلاً يدرك معنى قول النبي صلى الله عليه وسلم بأن الدنيا لا تزن عند الله جناح بعوضة ولهذا رأيناه يضعها في يده ولا يمكّنها أبداً من قلبه، ومن صفاته أنه كان ينزل الناس منازلهم ويقدر لكل قدره فهو بين عامة الناس واحداً منهم يجلس مجلسهم ويلبس لباسهم ويأكل مأكلهم بل ربما بالغ في الإكرام  وهو في المجالس الرسمية يكون عنده لكل مقام مقال.
•       ما أبرز الإسهامات في حياته الاجتماعية ؟
إسهاماته كثيرة وكان لا يحب الحديث عنها في حياته وأذكر أنه في إحدى حملاته الانتخابية يؤكد للمقدم له أن لا يعرج على ذكر هذه الأشياء، فإسهامات الأستاذ لم تقتصر على منطقته وما حولها بل وجدنا من يثني عليه ويذكر مآثره في عدن وصنعاء والمكلا وغيرها ويكفينا أن الناس على مستوى منطقتنا يلمسون الكثير من الأيادي سواء على مستوى الصحة أو التعليم أو الكهرباء أو إعانة الفقراء والمدينين والمنكوبين بل حتى  على مستوى الأنشطة الاجتماعية كالدورات الصيفية أو دورات التأهيل المهني، كما أن له مساهمات في رعاية الأنشطة الثقافية والدفع ببروز العديد من المنتديات والأندية لأنه كان يدرك مدى أهمية مثل هذه الأوعية لربط الناس وتنميتهم اجتماعياً .
•       وماذا عن هواياته رحمه الله ؟
سمعت أنه يهوى كرة السلة وباعتبار أنني لست من هواة الرياضة فلم أشاهده إلا مرة واحدة يلعب وربما كان قد جاوز الـ ( 55 ) من عمره إلا أن أهم هواياته فيما أعتقد كانت القراءة فكان رحمه الله يحب أن يقرأ أصول الكتب .
•       تقصد أمهات الكتب ؟
لا بمعنى أنه إذا تُرجم كتابٌ بالعربية فيحب قراءته من كتابه الأم لأنه كما حدثني أنه من خلال تجربته الشخصية لاحظ الكثير من الكتب المترجمة تتعرض لكثير من الإضعاف لقيمتها الحقيقية وهو لم ينفك عن القراءة حتى مع اشتداد وطأة المرض عليه.
•       يقال بأن لديه ملكة شعرية ؟
يحب ويتذوق الشعر أكثر مما يقوله وأخبرني أنه حفظ المطولات ( 200 بيت ) وحضرت له مساجلة شعرية وسمعته افتتح الشبواني بقصيدة وناقش معي قصيدة قالها بعد استقالته من عضوية مجلس النواب حرفاً حرفاً وطبعتها له قال في مطلعها:
لئن طلقت صنعاء  بعض حين                فلم يك ذاك عن صد وهجر
وكان يداعب أصحابه بالشعر ويقول أبياتاً في وصفهم  رحمه الله.
•       من أبرز رموز النزاهة في زماننا بن شملان.. ما تعليقك؟
الدنيا لم تكن همه الذي يدفعه إلى تحصيلها من أي طريق ونحسب أنه استطاع أن يعف نفسه عن محقرات الدنيا وقد ذكر عنه في هذا الكثير في وسائل الإعلام المحلية .
•       ألا تتذكر موقفاً غير ما قد ذكر.
كان رئيس فرع بشركة نمر النفطية باليمن ونائباَ لرئيس مجلس إدارتها وكان راتبه مغرياً هل تعلم أنه استقال من هذه الوظيفة بالرغم من أنه ليس معه عمل آخر ولا يريد مغادرة اليمن ولكن لما رأى أن الأمور تسير في اتجاه لا لمصلحة الشركة ولا كما يحب أن تكون ترك هذا المنصب طواعية وهذا قرار يصعب على الكثيرين اتخاذه.
•       في 97 م اعتزل الحياة السياسية وفاجأ الجميع في 2006م  بترشحه لمنافسة رئيس الجمهورية باسم اللقاء المشترك .. بماذا تفسر ذلك؟
هنا أريد أن أقول شيئاَ أن المرحوم بن شملان كان يريد أن يكسر رؤية سائدة وهي أنه لا يمكن منافسة حزب السلطة فكأنه يقول وإن كان هذا المرشح من خلفه السلطة أو الحزب الحاكم إلا أنه يمكن التغلب عليه إذا توفرت الحدود الدنيا من الشروط. في ( 97 ) الحزب الاشتراكي عارض الانتخابات ولم يعلن موقفه منها وبن شملان كذلك لم يعلن ترشحه مبكراً !! فطلب الرئيس مقابلته وطلب ترشحه وأن يدخل ضمن قائمة المؤتمر وهو يعرف أنه لن يقبل وقال له سندعم ترشحك .. يريد أن يعرف هل سيترشح أم لا .
•       فماذا كان الرد ؟
رد الأستاذ فيصل إنني قد نافست مرشح الاشتراكي في (93) وكان وراءه السلطة وأنني إذا دخل الاشتراكي ولم يقاطع فلن أترشح أما إذا قاطع فسأترشح منافسة لمرشحكم في المؤتمر . في 2006م أراد أن يوصل تلك الفكرة وأنه بالإمكان الترشح حتى وإن كان المنافس هو رئيس السلطة وفي كلتا التجربتين فاز المرشح المستقل فيصل على مرشح الحاكم رغم تجييش السلطة  وفي 2006م كلنا يعلم ما جرى فيها .
•       بن شملان وتجربته السياسية .. كيف تقرؤها؟
تجربة غنية جداً دخل معترك السياسة من وقت مبكر برغم أنه لم ينتسب في وقت من الأوقات إلى أي تنظيم سياسي حتى الجبهة القومية وهذا ما أكده لي شخصياً في فترة مرضه الأخيرة عندما كان الحديث يدور حول الجبهة القومية وجبهة التحرير.. وهذا كلام يطول الحديث فيه.
•       هل كان رحمه الله معارضاً للتنظيمات السياسية؟
كان يلح عليه البعض في صنعاء أنه سيكون أفضل لنا ولك أن تكون داخل تنظيم  فكان يرد لا أجد نفسي حتى في أحلك الظروف داخل تنظيم وإن كنت أرى أنه لا تنتظم الحياة السياسية داخل أي بلد إلاَ بالتنظيم، فكونه لم ينضم لأي تنظيم فهو موقف شخصي منه.
•       لكنه أسس حزب المنبر.
شارك في تأسيس حزب المنبر مع  الأستاذ: عمر طرموم وبافقيه  وآخرين وأصدروا جريدة المنبر ولكنهم عندما أعلن التجمع اليمني للإصلاح جمدوا حزبهم لأنهم يرون فيه معظم أفكارهم وتطلعاتهم.
•       متى كان آخر عهدك بالأستاذ فيصل؟
من توفيق الله وفضله عليّ أن كتب لي زيارته في بيته بالبريقة في آخر أيامه وهو وإن كان يعاني من إجهاد المرض إلاّ أنه كان حاضر الذهن.
•       كيف عرفت أنه حاضر الذهن؟
لما كان عائداً للتو من رحلته العلاجية الأخيرة في بريطانيا ذكرت له بعض ذكرياته القديمة فيها فذكر لي بالاسم زملاءه الذين درس معهم أمثال عبد الحافظ الحوثري وعبدالله بن سلمان ومحمد علي باصرة وكرامه بامؤمن وغيرهم وأمّا عن نوع مرضه فالذي أعرفه أنه لم يكن ورماً بالمعنى الشائع عند الناس وإنما شيئاً يفهمه الأطباء.
•       ما هي آخر وصاياه؟
نشرت بعض المواقع الالكترونية مقالاً  للأستاذ فيصل من آخر ما كتب ويمكن أن يلاحظ من خلاله الهم الأول لدى فقيدنا رحمه الله هًمّ هذه البلد وماذا يراد لها وإلى أين تسير ومتى ترشد. لقد كان من آخر حديثه معي في فترة مرضه أنه قال أن الناس إذا لم يعودوا يحترمون الدين ولا الأعراف ولا حتى القوانين التي يضعونها لأنفسهم - وهذا ما يجري اليوم - فستعم الدنيا الفوضى وحينئذ أظن أنه لا بد أن يجري شيئاً في هذا الكون لا بد أن تتدخل إرادة الله لأن هذه سنة الله في هذا الكون. وأنا أعتبر تلك المقولة من الحكم وهذه نظرة ثاقبة ورؤية تنظر إلى البعيد وتكتب بماء الذهب.
•       سمعنا أنّ مما أوصى به تعجيل دفنه ألا يدع ذلك للاستغراب.
هذه الرغبة كان يذكرها منذ زمن وليس الأمر متعلق بالفترة الأخيرة من حياته بل كشف عن هذه الرغبة في أكثر من مكان فعندما توفي الدكتور فرج بن غانم رحمه الله في حياته أقيمت له جنازة رسمية فكان من حينها يوصي بأن يدفن كأي مسلم في البلد الذي يتوفى فيه وأنه أمانه الحاضرين الذين شهدوا وفاته وأن لا ينشر خبر وفاته إلا بعد  دفنه. فكان يرى أنّ من الهدي التعجيل بالجنازة وأن ما يسمى بالجنازة الرسمية ليست من الدين في شيء بل ومخالفة للهدي الإسلامي لأنه كان ينتقد أقل من هذا بكثير وأتذكر أنه انتقد شعار الزواج الجماعي بالسويري وكان يعتقد أن فيه تقليداً أوروبياً فكيف بأمر يتعلق بشعيرة من شعائر الدين، فالله تعالى أعطى الرجل ما أراده فلا تكون وفاته مناسبة للمزايدات أو المبالغات أو حتى المناكفات السياسية، فلقد توفي رحمه بعد العشاء وكان إخراج جثمانه بعد صلاة الفجر فكان متواضعاً حياً وميتاً.
•       ما مفهوم التدين عند بن شملان؟
ذكّرتني كان يسألني كيف تفهم الدين؟ وهذا يحتاج إلى صفحات للكتابة عن فلسفته في الحياة ولكن أقول أنه كان يرى العلة في أوساط العاملين للإسلام اختلاط المفاهيم وأنّ من أسباب ضعفنا  أننا غير متدينين بدليل مثلاً أننا غير منتجين،  فمثلاً الدوام ثمان ساعات ولكن الإنتاج في دقائق فقط.
•       يقال أنه رحمه الله وفّّق لنطق الشهادتين هل تؤكد ذلك.
بلغني أنه نطق الشهادتين وبعدها ارتقت روحه إلى بارئها وهذا من توفيق الله سبحانه وتعالى، نسأل الله حسن الخاتمة.
•       برأيك ما ذا ورثه بن شملان للأجيال  وللشعب اليمني؟
ورّث رحمه الله سيرة نقية وقريبة من المثالية يمكن أن تكون قدوة لكل من أراد أن يعبّر بصدق عن حبه لدينه ولأمته ولشعبه ولأهله.
•       أمور أخرى  على خاطرك لم نتطرق إليها.
كان رحمه الله لديه العديد من الطموحات المستقبلية فقد كان يطمح لإنشاء مشروع للتكافل الاجتماعي لأنه يرى أن وضعْ الناس يجرهم إلى معيشة صعبة جداً ولمواجهة ذلك  يرى أن الناس عليهم إحياء سنة التكافل خصوصاً وأن لأهل حضرموت تجربة كما في أيام المجاعة مثلاً، وكان يستغرب وقوع المجاعة مع قلة الناس وكثرة النخيل فكيف بوقت كثر فيه الناس وقًلّ الاعتماد على النخيل والإنتاج المحلي وأصبح الاعتماد على المستورد. ومن طموحاته رحمه الله أنه كان يتمنى أن تظهر في هذه البلاد شركات وطنية محلية ولذا وقف بقوة مع بن مالك في سفلتة مطار سيئون لأنه يرى أن الشركات المحلية تعمل بقوة وبإخلاص أكثر وله محاولات في ذلك رحمه الله.
 

إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص