قبيلة آل (عفيف) توضح حقائق تاريخية

 

استنكر أبناء قبيلة آل عفيف م/تريم ماورد من تزوير للحقائق وغمط الحق في تجاهل ذكر اسم جدهم المعلم (عوض بن سليمان عفيف) باني منارة مسجد المحضار الشهيرة أثناء تدشين فعاليات تريم عاصمة الثقافة الإسلامية 2010م  ويطالبون بتوضيح الحقائق دون غموض وإعطاء كل ذي حق حقه دون تهميش ، كما أن عدم الاستجابة لترميم بيت البنّاء (عوض سليمان عفيف) الواقع في حارة النويدره أسوة بغيره من القصور قد اثأر استغراب أبناء القبيلة على الرغم من التوجيهات التي صدرت منذ تاريخ 31/12/2009م .

وما حصل في حفل افتتاح تريم عاصمة الثقافة الإسلامية (مساءً ) بساحة الاحتفالات من خلط الحابل بالنابل في إحدى كلمات المعنيين بالأمر  والذي تحدث فيها عن منارة المحضار وبانيها حيث ذكر في كلمته أن باني منارة المحضار هو  أبوبكر بن شهاب والحقيقة إن بانيها هو المعلم /عوض سليمان عفيف وإخوانه على الرغم من أن المعلومات الصحيحة وردت في الكتاب التعريفي لمدينة تريم الصادر عن وزارة الثقافة وان العلامة أبوبكر بن شهاب هو أديب وشاعر أنفق على توسعة المسجد والمنارة ولم يكن بنّاءً وليس له أية علاقة بالعمارة الطينية .

وبذلك فقد أعطى الحق لغير أهله مما سبب استياء واضح لدى أهل الغناء تريم بجميع فئاتها وطبقاتها الذين كانوا يتمنون أن تكون تريم عاصمة لثقافة الجميع.

مشيرين إلى أن أرباب المواقع الالكترونية يفتقرون للمعلومات الصحيحة حول هذا الموضوع أثناء نشرهم وتناولهم بل و يتخذُها بعض الكتاب و الصحف والمجلات مرجعاً لهم مما يزيد الطين بلّه ويتلقى المشاهد أو المستمع معلومات غير صحيحة .

وتعتبرمنارة المحضار بتريم محافظة حضرموت من المعالم التاريخية التي تشتهر بها هذه المدينة (تريم الغناء) وقد  بنيت في عام 1333هـ -1914م على يد المعلم عوض سليمان عفيف وإخوانه على نفقة السيد أبوبكر بن شهاب .

هذه المئذنة المبنية من الطين والتبن كانت ولاتزال مفخرة لأبناء هذه البلاد تريم خاصة – واليمن عامة ورمزاً للتراث الحضاري والإنساني ولمكانتها اتُخِذَتْ شعاراً لتريم عاصمة الثقافة الإسلامية حيث لم يدخل في بنائها أيٍ من وسائل البناء الحديثة كالاسمنت أو الحديد فكانت شامخة تعانق السحاب بارتفاع 40متراً من سطح الأرض .

ولعل أهمية ومكانة هذه المئذنة جعل الكثيرون يدّعون بنائها بطريقة أو بأخرى فبعضهم يخلط أو يحاول خلط الحقائق بين من أنفق على بنائها وبين من بناها بيده وتحمّل مشقة وخطورة علّوها الشاهق وبذل في ذلك دم قلبه وجهده وعرّض نفسه للخطر عند بنائها، فالزائر يصاب بالرعب والخوف عند وصوله إلى منتصف المنارة التي تبلغ درجاتها  142 درجة فما بالك بالذي وصل إلى أعلى قمة فيها .

وهنا لابد لنا أن نقف وقفة لنظهر الحقائق على ماهي عليه دون تعصب أو تحيّز أو اتخاذ سياسة أقصى الآخرين التي يتخذها البعض وهم بذلك يغفلون أو يتغافلون أن التاريخ والشعب لن يرحمهم في تزوير تاريخ الأمة .

وحتى نعطي معلومات صحيحة فإننا نوّضح مايلي :

عوض عفيف ودوره في العمارة في حضرموت :

وهنا نتناول عرضاً فكرياً ومعماريا موجزا لواحد من أهم أعلام هذه المرحلة وواحدة من الشخصيات التي أعطت على يدها ابرز الابتكارات الهندسية في عمارة حضرموت بالفطرة والممارسة خارجة من طور التقليد إلى طور الإبداع  الابتكاري  الذي انعكس على مكونات العملية التنفيذية  في إعماله وهو المنهج الذي يمكن أن نطلق عليه التتلمذ بالاستقلالية الذاتية وانطلق كواحد من المبدعين الذين فتحو أبوابا جديدة وآفاقا فكرية في مجال العمران في حضرموت ولعل هذا الكتاب يعتبر بداية  للكتابة عن أمثال هؤلاء المبدعين وعن المدارس المعمارية في حضرموت.

 يعد  عوض بن سليمان عفيف أحد عمالقة الجيل الثالث  من  المعماريين في حضرموت  الذين ولدوا في أواخر القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين وقد تلقى علومه  بالممارسة التطبيقية فكان رائد  جيله وبديع زمانه حيث قادته أفكاره لينقل العمارة الطينية في حضرموت من طور الى طور جديد مطور.

اشهر أعماله:

عند البحث عن أعمال المعلم عوض عفيف فكأنما يقوم المرء بالبحث عن إبرة في كومة قش فبتوفيق الله تعالى كانت ثمرة رحلة عطاء المعلم عوض كبيرة وطويلة ومتنوعة إلا أنها للأسف الشديد مجهولة المعالم حيث ضعفت عملية التوثيق حينها إلا في ما ندر ولعل ما حفظ لنا من أخبار عن أهم أعماله يعتبر شيء بسيط ومع ذلك فإنها عظيمة ويمكن تصنيف أعماله إلى شقين :

-أعمال البناء للمساجد ودور العلم والأضرحة.

-أعمال البناء والتشييد للبيوت والمباني السكنية والمصالح العامة.

من هو عوض سليمان عفيف ؟

في ربوع مدينة تريم الغناء ولد المعلم عوض عفيف وترعرع في كنف أبيه وكان الابن الأكبر للمعلم سليمان عفيف الأب في أسرة توارثت مهنة البناء أباًّ عن جد فنشأ في رحاب البناء وفي هذا الوسط شب ليحترف هذه المهنة كغيره من أخوته الثلاثة وهم خميس وحميد وعبيد إلا أنه تميز عن الكثير من أقرانه من خلال العديد من الأعمال التي قدمته كمعلم محب للعمل

 المتقن ومبدع صادق نزيه مع عملائه حسن المعاملة والعشرة مع عماله دقيق وشديد

المتابعة لهم في أعمالهم الأمر الذي أوصله إلى أن يكون صاحب أكبر فرقة عمل حينها

حيث بلغ عدد عماله ما يزيد عن 70 عاملا بما جعل شهرته تتسع إلى خارج مدينة تريم

حيث قام بتنفيذ العديد من الأعمال في جميع أنحاء أودية حضرموت ودوعن وعمد.

كان المرحوم عوض عفيف شخصية مهابة عريض المنكبين طويل القامة يغلب على لونه السمرة قال عن وصف صورته وهيئته المعلم عوض محمد بن سالم عفيف ( أن أكثر الناس

 شبها به هو ابنه مبارك بن عوض عفيف).وذلك عندما لم نجد له صورة محفوظة.

عاش المعلم عوض عيشة بسيطة وقد ابتنى له بيتا في حارة النويدرة وتزوج من امرأتين رزق منهن بثلاث بنات وخمسة أولاد هم سليمان وجمعان ومبارك وعبيد وعاشور الذي ولد بعد وفاة والده . هاجر منهم عبيد وعاشور إلى سواحل أفريقيا حيث استقر بهم المقام وتزوجوا لدى أخوالهم آل ساحب .

كان المعلم عوض عفيف رغم مشاغله الكثيرة أحد عقال حارة النويدرة البارزين فكان مقدما وسط الحارة أثناء الزيارات والرقصات والتجمعات المختلفة وكان مصلحا اجتماعيا ذا دور بارز في إصلاح ذات البين وحل العديد من القضايا العائلية والاختلافات والنـزاعات وكانت كلمته مسموعة ومطاعة لدى الصغير والكبير ورغم كل

 

العمارة الثانية :

وهنا نقصد بها العمارة التي سبقت عمارة المسجد الحالية حيث أننا لا نجزم بأنها العمارة الوحيدة بين العمارة الأولى والعمارة الأخيرة وعموما لم تحفظ لنا المصادر المكتوبة ولم يفيدنا أي أحد بخلاف ذلك ولا بسنة بناء العمارة الثانية والشيء الملاحظ فيها أي العمارة الثانية أنها جاءت بتوسعة للمسجد بحيث  توسع صحن المسجد شمالا حيث أضيفت ثمانية أعمدة على مسافة حوالي خمسة مترا وأضيفت جابيتين في الجهة القبلية (الغربية) كما بنيت له المئذنة السابقة والتي كانت مئذنة دائرية وكان موقعها في موقع صندوق الصدقة حاليا.

وهي العمارة الموجودة حاليا والتي بناها المعلم عوض سليمان عفيف رحمه الله وذلك سنة 1333هـ ـ 1914م والتي وسع فيها المسجد في الجهة الشرقية حيث أَضيف إليه الصحن ذو الرواقين ومئذنته المربعة في  الجهة الشرقية وهذه هي العمارة الثالثة له حيث تضم حمامين احدهما الحمام الجنوبي والآخر الحمام الشمالي وحمام آخر مطل على الصحن ولقد كان مسجد المحضار باتساعه هذا في ذلك الوقت أكبر مساجد تريم ،لقد جاءت هذه العمارة متميزة عن العمارات السابقة وبالأخص المئذنة المربعة التي كانت متميزة عن المآذن الدائرية وارتفعت إلى أكثر من أربعين مترا بمادة الطين وكان هذا الارتفاع عاملا مهما في إيصال الصوت إلى المناطق المجاورة حيث كان المؤذن يصعد إلى أعلى المئذنة بعد أن يكون قد قطع أكثر من 134درجة كل صلاه .

وقد قاد المعلم عوض رحمه الله عملية البناء للمسجد والمنارة باقتدار ليقدم لنا هذا الأثر الخالد ومما لا شك فيه أن أخوانه الآخرين وهم خميس وحميد وعبيد بل وآخرين من آل عفيف وغيرهم مثل فرج سالم عفيف وابنه سعيد ومحمد سالم عفيف وعوض سالم بن حميدان وابنه عبيد وغيرهم كان لهم دورهم في عملية البناء ولا زالت الأسرة تتوارث البناء حيث تمت عملية الطرقة بالنورة للمنارة  على يد مجموعة من المعالمة من آل عفيف في مقدمتهم رجب حميد عفيف وجمعان عوض عفيف وأحمد عبيد عفيف وسعيِّد حميد عفيف وعميِّر مبارك مصيباح  ثم تمت بعد 28سنة من بناءها على وجه التقريب أول تجديد لرشاشة (طلاء) المنارة  والتي تمت بواسطة ابن باني منارة المحضار المعلم ( مبارك عوض عفيف ) والى جانبه عوض سالم بن حميدان.

    مبارك عوض عفيف     سعيِّد حميد عفيف       أحمد عبيد عفيف

بناء المئذنة:

تعتبر مئذنة مسجد المحضار أعلى وأروع مآذن الجوامع في شبة الجزيرة العربية مبنية من الطين  كالمسجد وهي مادة البناء الرئيسية المستخدمة في الوادي ، ويعتبر هذا العمل قمة من أعمال التحدى بمادة الطين بهذا الإرتفاع ،فهي نتاج لخبرات متراكمة . ويلاحظ في البناء القيمة الجمالية في تكيف الطين في عمل العقود والزخارف مضافاً اليها النتوأت في نهاية كل طابق  (خيش الصاري) الذي يشكل مرحلة انتقالية للطوابق ، ومن الجانب الجمالي إلى الجانب الإنشائي الذي أوكل إليه هذا الارتفاع . والذي يتمثل في قاعدة المئذنة العريضة المبنية من الاحجار المتينه الطبيعية والمتداخلة مع بعضها بطريقه بنائية تقليدية تربطها ماده الجير الكلسي(النورة) مضافاً اليها (الرماد) مكوناً رابطاً متيناً للأحجار . يمتد الأساس إلى أعماق في الارض كالوتد للخيمة ثم بنيت المئذنة على القاعدة بمادة طين (الزبرْ)  على شكل وحدات من الطوب الطين (المدر) – الذي تربطه (مونة طينية) مخلوطة بالقش –(التبل) ولكي يحقق البنّاء طريقة الربط المتماسك إلى الأعلى كانت أعواد (اليعبور) تقوم بهذه المهمة. حيث تحقق الربط مثلما تعمل أسياخ الحديد في الخرسانة المسلحة . كان المعلم عوض عفيف يحقق عملية التناقص يقياسات الخبرة عنده التي كانت متناسقة مع الارتفاع بنسب معينة محققاً وظيفتين أحدهما جمالية نتجت عنها الوحدة الموضوعية في الكتلة والاخرى أنشائية متمثلة في تقليل الأحمال مع الإرتفاع وتقليل الاسطح المعرضة للرياح  .

ونجد طريقة البناء الابداعية تتجلي في الطابق السادس حيث استطاع تحويل الشكل المربع إلى مثمن  ثم إلى مربع مرة أخري لغرفة المؤذن وذلك بمادة الطين العجيبة حيث توجد بهذا الطابق ما يشبه المقرنصات وفي الطابق الاخير (غرفة المؤذن) حيث استعملت فيها اعمدة دائرية من الطين تم ذلك بضغط وحدات من الطوب الطين لهذا الغرض، ثم ختم السقف بالقباب التي نلاحظ تجوفهن من الداخل . ثم جصصت وزخرفت بالجير الكلس (النورة).

الإصرار والتحدي في العلو لمئذنة المحضار :    

    نفذ المعلم عوض عفيف رحمه الله بناءه للمئذنة على قاعدة مربعة الشكل تتناقص هندسيا ، إلى الأعلى لتصل الى ارتفاع 40 مترا ولتأخذ الشكل الهرمي المحمولة على قاعدة مربعة الشكل وليست بالمسقط الدائري  ، كما هو معمول سابقا وهو أول عمل ينفذ بالطين وبهذا الارتفاع الشاهق وبالإبداعات والزخارف التي تكسو حائط  بدنها ، وقام  بعمل النوافذ بأشكال مستطيلة ومنقوشة لتؤكد بذاتها العلو  وتؤكد البعد المنظوري  الهندسي .. وفيها يتحول  المعلم عوض من مرحلة التقليد المعماري المحلي في تطويع مادة الطين الى المنفذ المبدع ليكون مبدع زمانه حيث وصل الأمر على يده إلى نجاح كامل في التجربة التي تمت ممارستها عند  بناء مئذنة مسجد المحضار الطينية ،  واجتهد عفيف في الوصول الى أنجع الطرق لإقامة هذا المسجد، ومئذنته الطينية بالشكل الهرمي البديع .وعلى الرغم من ان مئذنة المحضار ليست نموذجا وحيدا من نوعه في دنيا العمارة إلا أنها تثير لدى الأجيال المتعاقبة من المعماريين والمهندسين والبنائين أشياء أكثر غموضا والتباسا وألغازا تكتنـزها مادة الطين مثل ارتفاعها العالي ومقاومتها للرياح وتحول قاعدتها العريضة بأسلوب هندسي يشد الانتباه بين أعلاها وأسفلها وهذا كله يؤكد النضج المعماري الذي تمتلكه الخبرات المحلية  التي قدمت لنا هذه النماذج وتمكنت من سبر غور أسرار العمارة الطينية .

إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص