حضرموت اليوم / تريم / أحمد فرقز :
عاصمة الثقافة الإسلامية قبل 3 سنوات .. حاضرة الثقافة والعلم والأدب والفقه في اليمن .. زهرة المدائن في جنوب غرب آسيا .. منطلق قوافل العلماء الفاتحين إلى أقاصي الشرق الآسيوي الناشرين للدعوة الإسلامية بالقدوة والمعاملة والخُلق الحسن ..
تريم .. جنة الدنيا .. وأي تريم .. وأي أهل لتريم بعد هذا المجد ..
تمعّنوا في الصورة .. هي ليست لشارع متسخ في دولة من أحراش أفريقيا .. وهي ليست لمقلب زبالة أو برميل في زاوية خلفية في قرية ريفية لم يعرف أهلها النظافة ، ولم يتعلموا كيف يمكن أن يعيش المرء في واقع نظيف ..
بل هي صورة لأرقى شوارع مدينة تريم المتغنى بها والموسومة دوماً بـ[ الغنّاء ] .. الشارع المرصوف بعناية ، والذي تقع على جانبه مقبرة [ زمبل ] الضامة في أحشائها رفات رجال من أعظم من أنجبت تريم وحضرموت ، والذين رسموا واقع المدينة كالحاضرة الثقافية الأغنى في المنطقة بالعلوم والمعارف ورجالها العظام ..
هذا الشارع الذي كان نظيفاً في السابق .. يؤدي إلى ألطف وأجمل أحياء تريم ، وهو حي عيديد المشهور بقصور آل الكاف والمسابح والبساتين والمزارع .. والموئل الوحيد لأهل وادي حضرموت عند طلبهم للنزهة لسنوات طويلة خلت ..
هذا الشارع [ شارع عيديد ] تحوّل إلى مقلب قمامة نتن .. على مسمع ومرآى أهالي تريم .. الذين رضوا أن يوصموا بكل هذا القبح والاتساخ .. وحوّلوا أجمل شوارع مدينتهم إلى مقلب قمامة .. مع سبق الإصرار والترصد ..
لهذا .. أيها الأخوة .. عندما نقول أنه لم تعد شخصياتنا تملك أية قيمة حسية رفيعة مقارنة بالآخرين .. فإننا لم نجانب الصواب ، ولم نتجنى على الحقيقة .. بل أننا أصبناها في كبدها ..
لقد تواطأ مواطنو المدينة وأحضروا قماماتهم إلى الطريق العام ليستلذ بها الداخلون إلى تريم ، والخارجون منها .. في منطق غريب يحاكي من فقأ عينه وأدماها لأنه يريد أن يجنبها ذبابة ..
وإن قيل ـ تبريراً ـ أنها حركة احتجاجية ضد تقاعس السلطات ، فإن الحضرمي يموت جوعاً ولا يأكل من جسده .. وإن أبى الضيم ، فلأنه لا يرتضيه ، ولا يقبل به ، ولا يستطيع أن يتعايش معه ..
والمنظر القبيح ، والواقع المزري هو قمة الضيم الذي تتعرض إليه زهرة مدائننا ، واعطر ديارنا ، وأبرك شوارعنا ، وخير التُرَب التي تضم رفات الصحابة والأولياء والصالحين ..
إنني أعشق تريم ، وأموت في هواها .. فهي حصننا الفكري المنيع الذي حمانا بقلاعه العلمية والفقهية طوال العشرين عاماً الماضية من هجمات مغول العصر التي استهدفت أنبل المدارس الإسلامية وأرقاها ، وأكثرها تأثيراً ، وإحساناً في بناء المسلم المتسم بالخلق والقدوة والناقل الواعي للمعاني الإسلامية السامية.
تريم .. تنوء بحمل الإتساخ الذي لا تستحقه .. فهل من مبادر إلى إزالته