هذه محاورة حقيقية وليست من نسج الخيال .. فيها ألم وهم وما خفي كان أعظم :
وقفا يتجادلان امام الناس في المجمع التجاري الكبير بصوت مرتفع :
ــ قال الأول : أكلتونا... اخرجوا من أرضنا ياشماليين يا ......
ـ رد الآخر بحده: طورناكم وحررناكم من جحر الفئران والعزلة ..
ـ كنا متطورين من قبلكم ... نحن تربية العجوز بريتش .. الله يرجعها لنا قريبا .. مش انتو يا متخلفين .
ـ ايش من تطور وهدار !! ما كنتم تعرفوا طعم التفاح ولا لون الخوخ ..... جوع وحبس وعزلة ..
ـ لا ياشيخ ... بالله عليك ... ماعرفتوا الصابون والشياكة وفن الاتيكيت إلاّ من عندنا .
ـ على غيري الكلام هذا... كنتو كل خمسة أنفار بواحد روتي وحبه بيض .. بطل لك الفشخرة الكذابة .
ـ هاااااااااه هااااااااااااه ... وجبتوا لنا السلته والسحاوق .... يافرحتي .. اخرجو وخلونا نموت جوع ...مالكم دخل فينا !
ـ يارجال أحسن لك .. با يرجع النظام يدعسكم دعس زي زمان .. ويحرمكم من هذي الخيرات .
ـ خله يدعسنا ويدفنا أحياء ... ولا هذه العيشة ... ماكنا نعرف الثارات ولا قطع الطرقات ولا مشاكل الأراضي والتعديات ولا , وكم با أعد لك قلبي ورم من يوم ماجيتوا عندنا .
ــ شكلكم خرمتوا لأيام حرق الشياذر .. وتخفيض الرواتب .. وطوابير الروتي .. وقتال الرفاق السنوي .
ــ حبيبي .. كانت أيام روعة محبة وألفة .. مواردنا قليلة وقناعاتنا كبيرة .. عددنا قليل وبركاتنا كثيرة .
ـ ايواااااه .. كنتم نص مليون وعاملين زحمة وجمهورية وعلم .. على ايش؟! ما وصلتوا نص أهل تعز!
ـ جمهورية لها شنة ورنة يسمع بها القاصي والداني اسأل عنها .. وتاريخها معروف في الجزيرة .
ـ بدون ما اسأل معروفين .. كلما تحاربت رفاقكم على الكراسي هربوا الى عندنا وآويناهم .. والآن تتمردوا .
ـ خلاص توبة ...اطلعوا وإحنا تعلمنا الدرس ......ما عاد با نتقاتل .. با نعمل دويلات وإمارات حرة .
ـ والله أخاف تبكوا بعدنا دم .. وتتمزقوا سبعين وصلة ووصلة .. والهربة من جديد الى عندنا .
ـ لا لا ما تخاف علينا .. معنا دول كبرى.. فارقونا وبس ..و بانعطيكم محافظة (........) ندامة .
ـ ولا نرضى يا مجنون .. الأرض أرضنا شف العمران اليوم والمدارس والدنيا والمشاريع الجديدة ماكان عندكم إلاّ شارع المعلا تتمشطحوا به في التلفزيون وقلعة صيرة ... واليوم روعة ومخططات ومدن وكم .. وكم ..
ـ يا رجال اسكت لك ... صلحتم البنيان وخربتم الإنسان .. ايش فائدة الجدران بلا أمن وأمان .. رسالة بلا عنوان .
ـ المهم الخلاصة .. ايش تشتي ذلحين من هذا الموال الطويل .. فرجت الناس علينا .
ـ شلوا جواريكم وبسطاتكم والله يفتح عليكم ارحلوا .. وقدكم تحبوا الترحال دعوتكم مستجابة من زمان سبأ .
ـ نجوم السماء اقرب لكم ..اليمن واحد .. وأنا يمني وفي ارضي مش صومالي لاجئ عندكم .
ـ شف ياعزي .. عدن حقنا والبراميل باترجع بوصاية دولية.. زجى ولا رضى.. وبا تشوف ..
ـ ما بش .. روح لك ياخبير .. وخلهم ينفعوك اللي يوعدوك بالانفصال .. مش طالعين منها .
وانفصلا وتباعدا .. ولكن في استراحة قصيرة فهم سيعودون سريعا الى هذا من جديد !!
ـ ويستمر الحال على هذا المنوال يوميا فهذا الحوار هو أذكار المواطن اليمني .. صباحا ومساء في الداخل والخارج !
فيسألني زميلي السعودي الذي استمع معي للحوار كاملا :
هل هم تشاديون وسودانيون أم صوماليون وإثيوبيون أم ..
ـ قلت بأسى : للأسف إنهما يمانيان من أبناء وطني الحبيب ... جنوبي وشمالي فقدا انتمائهما كشعب واحد واستبدلا حبهما لبعضهما جدلا وتشويها وصارا اثنين في واحد وقد كانا واحدا في اثنين .
ـ فقال السعودي وقد رفع حاجبيه ومط شفتيه :
ـ وتريدني أن اصدق بعد هذا .. أن الإيمان يمان والحكمة يمانية ؟!
بقلم : أبو الحسنين محسن معيض