لا فائدة من صناديق الانتخابات في مصر

من مزايا النظام الرئاسي ، الاستقرار في رأس السلطة ، مما يتيح فرصة للعمل والإنجاز بعيدا عن الفوضى و الاضطراب  و المماحاكات  وتلاعب الساسة والأحزاب .

طوال أكثر من 240 عام لم تحدث انتخابات رئاسية مبكرة ولو مرة واحدة في تاريخ أمريكا ، ولم يطالب أحد بها هناك ، على الرغم من أن الأمريكيين ينقسمون إزاء كل انتخابات رئاسية نصفين تقريبا ، مع هامش زيادة ضئيل لصالح الفائز ، الذي يستمر في الحكم حتى نهاية مدته الدستورية ، وغالبا ما يجدد الناخبون له أربع سنوات أخرى ، فأربع سنوات لا تكفي لتطبيق برامج وسياسات الحاكم الجديد وتوجهاته التي انتخبه الناس لأجلها .. فماذا لو كان عام واحد فقط .. وإذا خلى منصب الرئيس في أمريكا لأي سبب يكمل المدة ، نائبه ، إلى النهاية..

معارضو الرئيس مرسي مؤدى رسالتهم ومقتضاها ، هو أن لا فائدة من صناديق الانتخابات ، وهي التي أتت بالرئيس مرسي ويفترض أن تأتي بغيره في المستقبل..

وببيان الجيش دخلت الأزمة المصرية مرحلة حاسمة ، ليس من زاوية بقاء مرسي في السلطة من عدمه ، وإنما من الزاوية الأهم وهي مدى إدراك المصريين للخلل الحقيقي والمتمثل في عدم احترام الدستور.. العقد الاجتماعي بشأن الأسس العامة للدولة والتي بدونها لا يمكن المضي قدما نحو الاستقرار والتقدم.

لاحظوا أن غياب احترام الدستور انعكس حتى على بيان الجيش فهو يتدخل كما قال لأسباب «أخلاقية ونفسية» و«استنادا إلى مسؤوليته الوطنية والتاريخية» أي أن هذا التدخل لا يستند إلى حماية الأسس التي قامت عليها الدولة ومصالحها الحيوية العليا التي تتفق كافة القوى والأطراف على عدم تجاوزها بموجب العقد الاجتماعي الذي تم الاستفتاء علية .. و لهذا السبب لم يذكر الجيش في بيانه «الشرعية الدستورية»؟

قال عبدالباري عطوان: هذا الغرب المنافق الذي ظل على مدى مئة عام يحاضر علينا حول الديمقراطية وقيمها، ويتغنى بالديمقراطية الإسرائيلية ، لماذا يقف صامتا امام هذا الانقلاب على الديمقراطية وحكم صناديق الاقتراع؟

هل لان الفائز في هذه الديمقراطية هو من أنصار التيار الإسلامي ، وهل هم مع الديمقراطية في بلادنا التي تأتي بأحزاب وفق مقاساتهم ، وتطبق سياساتهم ومشاريعهم في الهيمنة في المنطقة؟

أمريكا سقطت.. الاتحاد الأوروبي سقط .. وكل المقولات الليبرالية التي تدعي التمسك بالديمقراطية والتداول السلمي للسلطة سقطت أيضا ، وبات واضحا أن الليبرالي في مفهوم الغرب هو الذي يتخلى عن عقيدته وقيمه ومبادئه ، ويتبنى المبادئ الغربية التي تضعها واشنطن.

كنا نتوقع أن يتدخل الجيش المصري لنصرة الشرعية الديمقراطية لا من اجل سحقها ، واعتقال رموزها ، والانحياز لصناديق الاقتراع ، لا لدعم من يريدون إسقاط هذه الشرعية من خلال التظاهر وشاشات التلفزة.

الانقلاب العسكري سيؤدي حتما إلى خدمة الجماعات المتطرفة داخل التيار الإسلامي .. وسيؤكد مقولة تنظيم ‘القاعدة’ والجماعات الأخرى التي ترفض الديمقراطية وتعتبرها ‘بدعة غربية’، وتطالب بالاحتكام إلى السلاح وليس إلى صناديق الاقتراع لإقامة دولة إسلامية تكون نواة لدولة الخلافة.

المعتدلون في التيار الإسلامي وحركة الإخوان المسلمين سيكونون هم الضحية ، لان جنوحهم للاعتدال ، وتبنيهم للخيار السلمي ونبذ العنف اثبت عدم جدواه بعد الانقلاب العسكري الحالي ، الذي نرى إرهاصاته في تنصيب رئيس غير منتخب ، وحل مجلس الشورى ، وإعلان الأحكام العرفية ، وشنّ حملة اعتقالات دون أي مسوغات قانونية ، وتحت اتهامات واهية.

شخصيا قابلت الرجل لأكثر من ثلاثة أرباع الساعة ، ولم اسمع منه غير لغة التسامح مع الآخر ، والحرص على حقن الدماء ، والتركيز على كيفية إعادة الكرامة لمصر وشعبها ، وإحياء صناعتها الوطنية الثقيلة ، وإنعاش قطاعها الزراعي ، بالانحياز الى الفلاحين البسطاء ملح الأرض.

من سيصدق الحكم العسكري الذي يدير شؤون مصر حاليا عندما يتحدث عن الديمقراطية والانتخابات الرئاسية والبرلمانية بعد أن أهانوا الرئيس المنتخب وحلوا مجلس الشورى المنتخب أيضا؟ ومن سيذهب الى صناديق الاقتراع بعد هذه الخطيئة الكبرى؟

بقلم المهندس : عبدالحافظ خباه

إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص