حضرموت اليوم / المكلا /
خاص
ألقى الدكتور/ عادل محمد باحميد خطبتي الجمعة بجامع الصديق بالمساكن بمنطقة فوه الجديدة,بالمكلا ، حيث تحدث عن التطورات
التي تشهدها الساحة في الظروف الراهنة منها الدماء التي سالت في حضرموت وتبعتها
مجزرة يوم الجمعة في صنعاء وإزهاق لعشرات النفوس البريئة في أبين, مستعرضاً تشكيل
اللجان الشعبية في الأحياء لحفظ الأمن وبث السكينة والاطمئنان.
وقال الدكتور باحميد بأن تلك اللجان ليست
بديلا عن الجهات الرسمية والسلطة المحلية بل هي رافداً مساعدا لها, منتقداً تعطيل
العملية التعليمية وكآفة مستوياتها محملاً السلطة المحلية وإدارة التربية وأولياء
أمور الطلاب والمجتمع ذلك التعطيل ودعا إلى تشكيل مجلس تربوي يبتعد عن المزايدات
السياسية والحزبية ويقود عملية التربية والتعليم بالمحافظة.
حضرموت اليوم بنشر خطبتي صلاة الجمعة بمسجد
الصديق كما يلي:
الحمدلله ..
اللهم أنت أحق من حُمد .. وأحق من عبد،
وأرأف من ملك، وأجود من أعطى، وأوسع من سئل، أنت الملك لا شريك لك، وأنت الفرد
الذي لا ند لك، كل شيء هالك إلا وجهك، لن تطاع إلا بإذنك، ولن تعصى إلا بعلمك،
تُطاعُ فتشكر، وتُعصر فتغفر، أقرب شهيد ، وأدنى حفيظ ، حُلت بين النفوس، وأخذت
بالنواصي، وكتبت الآثار، ونسخت الآجال، فالقلوب لك مفضية، والسر عندك علانية،
والحلال ما أحللت، والحرام ما حرمت، والدين ما شرعت، والأمر أمرك، والخلق خلقك
والعبد عبدك، ولا إله غيرك.
يرى النبيُّ r وأصحابُه في السبي والأسر امرأةً تبحث عن رضيعها المفقود، ولما
وجدته ألصقته ببطنها وأرضعته بكل حبٍ وعاطفة وحنان، فقال عليه الصلاة والسلام
لأصحابه: (أترون هذه المرأة طارحة ولدها في النار؟) قلنا: لا والله، وهي تقدر الاّ
تطرحه، فقال رسول الله r : (لله
أرحم بعباده من هذه بولدها) ، فصلاةً وسلاماً على الرحمة المهداة للعالمين، على
الخير المنزّل على الناس أجمعين، صلاة وسلاماً على من تنوّر القلوبُ بذكره، صلاةً
وسلاماً على من تُعطّر المجالسُ بذكره، محمداً صلى الله عليه وعلى آله وصحبه
وأتباعه، اللهم صلّ عليه صلاة دائمة أبدية سرميدة إلى يوم الدين يا رب العالمين.
ثم أمّا بعد عباد الله .. أوصيكم ونفسي
بتقوى الله .. (يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتنّ إلاّ وأنتم
مسلمون) (يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولاً سديداً، يصلح لكم أعمالكم
ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزاً عظيماً).
عباد الله ..
نعم (لله أرحم بعباده من هذه بولدها) فالله
هو الرحمن الرحيم، الله هو المانح الكريم، الله هو الخالقُ، هو الرازق، هو الحافظُ
للمؤمنين. من غير الله يهب الأمن والأمان، من غير الله يحفظ الدين والإيمان، من
غير الله يؤّمن الناس في الأوطان، من غير الله يفرّج الهمّ والكرب ويُذهب الغمَّ
والأحزان، من غير الله بيده ملكوت كل شيء وإليه ترجعون، هو الله، الذي ما أحوج
الناس اليوم وقت الفتن والأزمات أن تلجأ إليه وحده، لأنه هو الذي بيده الأمرُ من
قبلُ ومن بعد، ما أحوجنا نحن اليوم، نعم نحن أيها الأحبة الأكارم، ما أحوجنا نحن
اليوم ونحن في فتنةٍ وأزمة أقل ما فيها أنها تجعل الحليمَ حيران، ما أحوجنا أن
نطرق باب الله ، ونرجع إليه، دعونا من كلام السياسة، ودعونا نرجع إلى إيماننا، ما
أحوجنا اليوم ونحن أمام أزمةٍ، ونحن في وجهِ فتنةٍ، ما أحوجنا قبل أي شيء أن نرجع
أولاً إلى الله، وما هذا على المسلمِ بغريب، أوليس وقدوتنا محمد r، أولسنا نقول أنك يا رسول الله حبيبنا
وقدوتنا، ما حزبه r أمرٌ
ولا خطرٌ إلاّ ويهرع إلى الصلاة، وما أحلكها من مواقف التي مر بها النبيُّ r، ولكنها لم تزدهُ قرباً إلى قوته العسكرية،
ولا إلى رجاحةِ عقلهِ ولا إلى كثرة اصحابه، ولكنها زادته أولاً قرباً إلى الله ومن
الله، يزداد الحبيب r في
أحلك المواقف قرباً إلى السماء، يرفعُ الأيدي متضرعاً راجياً خائفاً تائباً فقيراً
منكسراً بين يدي الربِّ، طالباً المددَ والغوثَ من صاحبِ المددِ والغوث، في أصعب
المواقف يتجلى الإيمان الذي لا يربطُ صاحبَهُ إلى عصبيةٍ، أو حزبيةٍ، أو سياسةٍ،
أو حشود أو جموع، يتجلى الإيمان الذي يربطُ صاحبّهُ وقت الأزمة بخالق الأرض
والسماء أولاً، فلنرجع أولاً إلى الله، ليبصّر هذه الأفئدة بنور الله، فنهتدي إلى
سواء السبيل، في أحلك المواقف كان الإيمانُ ينبعثُ من النبي r لأن الله هو صاحب الأمر من قبل ومن بعد،
فالقرار قرار الله، والتقدير تقديرُ الله، لا هذا ولا ذاك يقدّرُ من الأمر شيء،
هذا هو الإيمان، لا شرقَ ولا غرب، لا رئيس ولا معارضة ولا شارع ولا ميدان، من
سيقرر مصير الناس، بل هو الله الذي نتعبده بالوحدانية، نحتاج أن نلجأ إليه اليوم
ولا ننساه في هذا الموقف العصيب، من سيحفظُ الناسَ هو الله، من سيحفظُ هذه البلاد
هو الله، من سيخرجنا من أزمتنا هو الله، القوة العظمى والحشد الأعظم هو الله،
فلنُكبر الله في قلوبنا، فالله أكبر كما نرددها على الدوام، أليس الحفظ الإلهي هو
الذي لطالما حفظ هذه البلاد وأهلها في أكثر من محنةٍ بحسن نياتِهم، بحسن أخلاقهم،
بحسنِ قربهم من الله. هذا هو الباب الذي لا يُغلقُ ولا يُقفلُ ولا يُردُّ من دخله
، (وإذا سألك عبادي عنّي فإنّي قريب، أُجيب دعوةَ الداعي إذا دعان فليستجيبوا لي
وليؤمنوا بي لعلهم يرشدون)، إن الله ما ابتلى عباده ببلاء إلا لاشتياقه إلى أنين
دعاءهم ورجاءهم ووقوفهم بين يديه، اللهم ما أحوجنا اليوم إليك، ارحمنا برحمتك وأنر
لنا الدرب بنورك ، والهمنا الصواب والرشد، واحفظنا اللهم في أوطاننا، احفظ أبناءنا
وأزواجنا وأهلينا وأحبابنا، اللهم أنعم علينا بالأمن والسكينة والطمأنينة، وفرّج
عنّا ما نحن فيه، اللهم أزل الغمة وأنّر لنا الظلمة، يا أرحم الراحمين.
عباد الله ..
إن أجواء الفتنةِ المخيمةِ على بلادنا هذه
الأيام، قد بلغت مبلغاً خطيراً ومنعطفاً حاداً يوم أن كَثُرَ فيها القتلُ وسفكُ
الدماء، دماء مسلمين موحدين، دماءٌ حرام، دماءٌ جُعل سفكُها أعظمُ من هدم الكعبة
المشرفةِ حجراً حجرا، دماءٌ سالت هنا أولاً في حضرموت وغيرها من المحافظات، تبعتها
مجزرةُ يومِ الجمعة في صنعاء وأخيراً وعسى أن يكون اخيراً ما كان في أبين من
إزهاقٍ لعشرات النفوس البريئة التي لا طائل لها ولا ناقة ولا جمل في لعبة السياسة
، لذا كان من واجبِ العلماءَ والدعاةِ والمصلحين أن ينبهوا إلى خطورة وحرمة ذلك، (فكل
المسلم على المسلم حرام، دمه وماله وعرضه) (وإذا التقى المسلمانِ بسيفيهما فالقاتل
والمقتول في النار) كما قال r، فما
بالك بمن يقتل بريئاً مسالماً أعزلا، وعليه فقد افتى العلماء بحرمة القتلِ وحرمة
إطاعة الأوامر بالقتلِ من أيٍ شخصٍ كان، فلا طاعةَ لمخلوقٍ في معصيةِ الخالق.
عباد الله
..
إن وقت الأزمات هو الوقت الذي تحتاج فيه
الأمة إلى أن تتوحد وتتكاتف وتتلاحم، إنها اللحظات التي ينبغي أن يتجسد فيها وصف
النبي r لأمته وللمجتمع المسلم (مثل
المسلمين في توادهم وتراحمهم كالجسد الواحد، إذا اشتكى منه عضوٌ تداعى له سائر
الجسد بالسهر والحمّى)، لذا فمن نعم الله علينا في هذه المحنة بكل ما فيها أنها
جعلت الناسَ يتحسسُ بعضُهم بعضا، ويسعون إلى تنسيق جهودهم، ومساعدة بعضهم، لحفظ
الأمن وبث السكينة والاطمئنان، وما تشكيلُ اللجانِ الشعبيةِ في الأحياءِ إلاّ
واحداً من هذه المظاهر، اللجان التي هي بكل تأكيد ليست بديلاً عن الجهات الرسمية
والسلطة المحليّة، بل هي رافداً مساعداً مسانداً لها، اللجان التي نباركها ونؤيدها
ونحثُ عليها، كيف لا، وهي من مظاهرِ الأخوةِ، كيف لا، وهي من علامات الإيمان
والدين، ودليل حياةِ النفوسِ المؤمنة، كيف لا، وهي دليل التوحّد والتعاون على الخير،
تَعارَفَ فيها الناس، وتآلف فيها الناس ، وبذل فيها الناس، وسهر فيها الشبابُ
والرجال وهم يحرسون أهلهم وجيرانهم وممتلكاتهم من كل شرٍ وسوء، أليس هذا منظراً
نقف به بين يدي الله عسى الله أن يرحمنا به، يوم يرى أخوّتِنا ومحبتَنا وتآلفَنا
وخوفَنا على بعضنا، اللهم ارحمنا بأخوتنا، اللهم ارحمنا بتآلفنا ، اللهم ارحمنا
بمحبتنا لبعضنا، وأمّنّا بخوفنا على بعضنا يا رب العالمين.
عباد الله
غير ان هذه اللجان بحاجة ماسّة الى الانتباه
إلى بعض الأمور التي ستجعل عملها أكثر نجاحاً وبركة وتوفيقا، أولها الإخلاص لله رب
العالمين، فلنجدد النية لله وحده لا نقصدُ سواه في هذا العمل الجليل حتى يُكتب لنا
الأجر والثواب، وثانيها وهو الوقود المحفّز للعاملين والمساهمين والمشاركين في هذه
اللجان وهو استشعارِ عظيم الأجرِ عند الله (فالله في عونِ العبدِ ما كان العبدُ في
عون أخيه) وليستشعر الشباب القائمين على الحراسات الليلية قول قائدهم وقدوتهم محمد
r: (عينان لا تمسهما النار،
عين بكت من خشية الله، وعينٌ باتت تحرسُ في سبيل الله) فيا بشرى المبادرين، ويا
فوز المخلصين، فلا عمل بالمجّان، وإنما هو ثواب وحسنات ترصد لك في حساباتك عند
الله رب العالمين. وأمّا ثالثها فهو الانتباه لما قد يشوّهَ عملَ اللجان وسمعتها بأي تصرفٍ غير لائق يشكك في اللجان
ومصداقيتها ونزاهتها كأن يتحدث أحدٌ باسمها ويأمر التجار واصحاب المحال بدفع رسوم
الحراسة أو نحو ذلك أو يزعم أنه مخوّلٌ بجمع الأموال لها وهو ليس كذلك، فلننتبه
لهذا الأمر ونحدد من يقوم باستقبال مساهمات الأهالي وتبرعاتهم الطوعيّة، فهذه
اللجان لا تبتغي بعملها جزاءاً ولا شكورا إلاّ الأجر والثواب من عند الله وحده.
عباد الله ..
وكما هي الفتنُ عادةً، تكثرُ فيها الشائعاتُ
والأقاويلُ، وتروّجُ فيها الأخبار الكاذبة المغلوطة، التي تُربك المجتمع والناسَ
وتنشرُ الخوفَ والقلقَ وتخلطُ الأوراق، وتؤججُ الانفعالات، ولا يستفيدُ منها غيرُ
من يريدون السوءَ والضررَ بنا ومجتمعنا. لذا ما أحوجنا أن نتعامل مع هذه الشائعات
كما أمرنا ربنا سبحانه ونبيُّهُ r، فنتلقى الشائعة والخبر بثباتٍ وتثبّت (يا أيها الذين آمنوا إن
جاءكم فاسقٌ بنباٍ فتبينوا، أن تصيبوا قوماً بجهالةٍ فتصبحوا على ما فعلتم نادمين)،
ولنرجع إلى أهل الشأن والاختصاص لنتحقق من الأمر (وإذا جاءهم أمرٌ من الأمنِ أو
الخوفِ أذاعوا به ولو ردّوه إلى الرسول وإلى أولي الأمر منهم لعلمه الذين
يستنبطونه منهم ولولا فضل الله عليكم ورحمته لاتبعتم الشيطان إلاّ قليلا)، ومثلما
أنه محرمٌ لايجوز أن نكون مخترعين للإشاعات فإنه لا ينبغي أن نكون ناقلين للشائعة
والأكاذيب ناشرين لها فإنه كما يقول r :(كفى بالمرءِ كذباً ان يحدّث بكل ما سمع) رواه مسلم، فلنتق الله
فيما نقول، ورُبّ كلمةِ يقولها العبدُ لا يلقي لها بالاً تهوي به في نارِ جهنّم
سبعين خريفاً.
عباد الله ..
ولعل من آثار هذه الفتن وهذه الأزمة
التعطيلُ الحاصلُ للعملية التعليمية بكافة مستوياتها، فصولٌ خاوية وكراسٍ فارغة
ومدارسُ أغلبها مغلقة تشكو غيابَ طلابها وطالباتها في وضعٍ لا أظنّ أنّ أحداً
راضياً عنه أو يتمنى له الاستمرار، فالتعليم هو بوابة المستقبلِ لأبنائنا
ومجتمعنا، ولكن لنكن صادقين في هذه اللحظة، لأن هذه الأيام هي هي لحظات صدق مع
الله، ولحظات صدق مع النفس، ولحظات صدق مع القائمين على أمرنا، ولحظات صدقٍ مع
أنفسنا جميعاً، إن هذا الوضعَ غيرَ السوي ليس نتاجاً عن انقطاع الطلاب عن الدراسة
فقط ، ولكنه نتاج تراكمات في العملية التربوية والتعليمية على مدار السنوات
الماضية، إننا اليوم نحصد ثمار سياساتٍ وطريقةِ عملٍ تراكمت سلبياتُها وأخطاؤُها
حتى أوصلتنا إلى ما نحن عليه اليوم، إن اللحظة ليست لحظة المزايدات والنفاق، إن
أردنا أن نخرج من عنق الزجاجة، فهؤلاء الطلاب والطالبات هم أبناؤنا وبناتنا، ألم
يتربوا ويتعلموا في مدارسنا وفي بيوتنا، إذا هذه هي مخرجاتنا، هذا هو نتاج
تربيتنا، فنحن حينها المسؤولون، وما أبناؤنا وبناتنا إلاّ ضحيّةً نتحملها نحن
جميعاً سلطة محلية وإدارة تربية وتعليم وأولياء أمور ومجتمع، فلا نُلقي كل اللوم
عليهم، ارحموا الأبناء والبنات، رفقاً بالطلاب والطالبات، ماذا أعطيناهم حتى نطلب
منهم اليوم، على ماذا ربيناهم حتى نحاسبهم اليوم، لقد فقدت كثيرٌ من مدارسنا
وأقولها (كثير) لأن من مدارسنا ومربينا قدوات يُحتذى بهم، ولكنّ الغالبَ أن كثيراً
من مدارسنا فقدت معاني التربية وصار الشغل الشاغل لها التلقين والتحفيظ والعلامات
والامتحانات، نسي القائمون على التعليم أن أبناءنا وبناتنا ليسوا مجرد عقولٍ
وآلاتٍ حافظة وحاسبة، ونسينا نحن كأولياء أمورٍ في البيوت أن أبناءنا أكثر من مجرد
أجسام تأكل وتشرب وتلبس وتنام، شبابنا أيها الأحبة أرواحٌ وأجسامٌ وعقولٌ وأحلام،
في كتلة واحدة كلُّ مكوّنٍ منها له احتياجاته وطلباته وزاده الذي ينبغي أن يشبع
منه وينهل حتى تتكون شخصية الشاب المسلم المتكاملة النافعة، فإذا اختل التوازن نتج
الجيل الذي نخاف منه فيستخدم قوته وطاقته في غير بناء الوطن ونفع الناس. لذا لابد
من أن يُجمع العقلاء الحريصون على مصلحة هذا البلد في السلطة المحلية والتربية
والتعليم واولياء الأمور ومنظمات المجتمع المدني والجميع على تدارس كيفية الإصلاح
لمنظومة التربية والتعليم بكافة أبعادها، وهذه دعوة هنا إلى تشكيلِ مجلسٍ
تربويٍ يبتعدُ عن المزايدات السياسية
والحزبية ليقود عملية التربية والتعليم، كفى تجهيلاً، كفى إبعاداً لطلابنا عن
مدارسهم.
وأتوجه هنا إلى أبناءنا وبناتنا الطلاب
والطالبات، أنتم جزءٌ من هذه الأزمة، وأنتم جزءٌ من هذا المجتمع، بل الشريحةُ
الأهم فيه، أنتم عماده، أنتم من سيبنيه ويحميه، ستبنونه بالروح المؤمنة والعقول
المتعلمة الواعية والسواعد الفتية القويّة وبأحلامكم الطموحة المحلقّة، لكن الأمر
لم يعد يُحتمل كل هذا الغياب عن صفوف الدراسة، والتعطيل للتعليم، فليس ينقصنا
تجهيل، ولا طاقة لنا ولكم بتأجيل الدراسة إلى أشهر الصيف الحارة كي نعوّض ما فات،
فأعداءنا يسعون إلى تجهيلنا لأنه لن يضرهم شيء مثل العلم والتعليم، مثل أجيالٍ
متسلحة بالعلم والإيمان، لذا فنحن بحاجةٍ إليكم في صفوفِ دراستكم، في مقاعد التعليم،
ولا نختلفُ معكم ابداً أبداً ابداً في حقكم الكامل والمشروع في المطالبة
بالحقوق، فعودوا إلى مقاعد الدراسة مع
احتفاظكم بكامل الحق في المطالبة بحقوقكم المشروعة التي لا يختلف معكم فيها أحد بل
كلنا نقف معكم في سبيل بيئةٍ تعليمية حقيقية، ولكن لنطالب بذلك بشكلٍ حضاري يعكس
روح الإيمان في قلوبنا، يعكس القيم التي كأنني برسول الله r واقفاً بيننا يذكرنا بقولته الشهيرة وأوامره
متكررة للجيش المسلم الفاتح في أعتى معاركها: (لا تخونوا.. لا تغلّوا.. لا تمثلوا..
لا تقتلوا طفلاً ولا شيخًا ولا امرأة.. لا تغرقوا نخلاً ولا تحرقوه.. لا تقطعوا
شجرة.. لا تذبحوا شاة ولا بقرة ولا بعيرًا إلا للأكل, وإذا مررتم بقوم فرَّغوا
أنفسهم في الصوامع فدعوهم وما فرّغوا أنفسهم له..) يالها من قيمٍ عظيمة يعلمنا
إياها قدوتنا وأسوتنا محمد r وهو
في وقت الحرب، فكيف بمن يطالب بالتغيير والإصلاح في وقت السلم والسلام، إذاً من
نتبع نحن، سؤالٌ يحتاج إجابة، فدعونا من السياسة والأحزاب واللافتات، فكل واحدٍ
سيقف يوم القيامة أمام ربه فرداً، فلننتبه ألاّ ندمّر قيمنا ونخالف رسولنا، فمن
حقنا أن نطالب بحقوقنا ولكن لنبقى محافظين على القيم والأخلاق نحترم الكبير ونرحم
الصغير، نبني ولا نهدم، نطالب بالتغيير لكن بلا تدمير، فلنحفظ الممتلكات العامة
والخاصة، فمصباح الإنارة ملكي وملكك فلماذا يكسّر، وسيارة المواطن هو اخي وأخوك
فلماذا تحطّم، فلنتق الله لأنه دين وليست سياسة، ولنرجع إلى صفوفنا تحفّنا عناية
الله وحفظه ولنحافظ على مدارسنا وممتلكاتها نحفظها ونؤمنها لأنها ملكنا جميعاً،
ونستعد للبناء والتعمير فبعد العسرِ يسرا، وبعد أن تنقشع هذه الغمّة وتزول الفتنة
سيبارك الله أمر هذه الوجوه التي لم تنسه وقت الأزمة، وعسى الله أن يوفق الجميع
لما فيه الخير.
هذا وصلوا وسلموا على من أمركم الله بالصلاة
عليه