لعل القادة العسكريين العرب لم يستوعبوا الدروس والعبر من الانقلابات العسكرية التي قاموا بها في الماضي والنتائج الكارثية المترتبة على تلك الانقلابات الدموية والتي خلفت من ورائها خسائر بشرية ومادية لاتحصى , وأعادت الدول العربية الى عصور ماقبل الإسلام أو عصور ماقبل التاريخ , ودفعت الشعوب المقهورة فاتورة تلك الانقلابات من دمها وقوتها ومستقبلها , فلم تجن تلك الشعوب والبلدان من الانقلابات إلاّ الضياع والخراب والدمار الشامل وللأسف الشديد كانت تنجح تلك الانقلابات في تحقيق هدفها في الاستيلاء على الحكم والبقاء على السلطة فترة طويلة من الزمن باستخدام القبضة الأمنية والقوة القمعية في التعامل مع معارضي وخصوم الدولة العسكرية الاستبدادية ..
واليوم تطل تلك الانقلابات العسكرية برأسها في مصر من جديد وتجرب المجرب وتحاول مرة أخرى للاستيلاء على الحكم بالقوة وسلب الإرادة الشعبية ووأد الهامش الديمقراطي الوليد , والجرأة على مخالفة الأحكام الشرعية و القوانين الوضعية والأعراف الإنسانية والقيم الأخلاقية و تجاوز قوانين حقوق الإنسان والحيوان في العالم , ولكن هذه المرة ولسؤ حظ الانقلابيين , أن الشعب المصري صاحي ويقظ ولم يسمح بتمرير هذا الانقلاب العسكري - الدموي , بالرغم مالقيه من دعم خليجي سخي وتأييد شعبي مزيف و موقف دولي مبطن ومذبذب ..
إن مصير هذا الانقلاب الفشل , بل هو فاشلا" بالفعل منذ الإعلان عنه في 3 يوليو 2013م وولد ميتاً مع المحاولات الحثيثة لإنعاشه من الانقلابين ومن آزرهم لبقائه حياً ويستمر طويلاً في الحياة وذلك للأسباب التالية :
1. مخالفة الانقلاب لسنة التغيير وثورة الشعوب المقهورة على حكامها المستبدين في تونس وليبيا واليمن وسوريا ومصر فيما سمي بثورات الربيع العربي ..
2. حدث هذا الانقلاب في زمن الثورة الإعلامية والالكترونية السريعة والتي تنقل الصورة كما هي والحدث كما هو , كما ساهمت في ذلك قنوات فضائية مثل قناة "الجزيرة" مع محاولة التعتيم الإعلامي بغلق العديد من القنوات الحرة ..
3. لم يحظى هذا الانقلاب اليوم بالتأييد الشعبي أو حتى بالصمت الشعبي في المجتمع المصري , وهذا مالم يعهده الانقلابيين في سائر الانقلابات السابقة في زمن الاستغفال الشعبي والقبول الشعبي والرضوخ الشعبي والتسليم للأمر الواقع ولحكم العسكر دون تحريك ساكناً أو إيقاف متحركاً ..
4. عدم الاعتراف العربي أو الدولي أو الإفريقي بحكومة الانقلاب سوى بعض الدول الداعمة للانقلاب التي لاتتجاوز أصابع اليد الواحدة وهي: (امريكا وإسرائيل والإمارات والسعودية والأردن ) ..
5. استمرار المظاهرات والمسيرات والوقفات الاحتجاجية السلمية للمناصرين للشرعية وعودة الرئيس الشرعي والمنتخب الدكتور محمد مرسي والتي يتعرض فيها المتظاهرين السلميين للانتهاكات والضرب والقتل والتنكيل والاعتقالات السياسية , كما حدث في فض اعتصامي النهضة ورابعة بالقوة العسكرية وهذا بحد ذاته العامل الكافي لفشل هذا الانقلاب والقشة التي قصمت ظهر البعير ..
الخلاصة :
إن محاولات القادة العسكريين الزج بالجيوش في المعترك السياسي ستبؤ بالفشل الذريع كما حدث في مصر , وان هذه التجربة الفاشلة لن يكتب لها النجاح في دول الربيع العربي الأخرى كما يبشر بذلك دعاة الانقلابات العسكرية وان الشرعية والديمقراطية الوليدة في مصر ستعود من جديد وان الحكومة الانقلابية الجديدة تعيش اليوم في حالة من الاحتضار السياسي أو الموت البطيء وستكون اللحظة الحاسمة لتحقيق ذلك وعودة "الربيع العربي" الى الاستمرار في استكمال "الثورات الشعبية السلمية" ضد الطغاة والمستبدين في الدول العربية المتبقية وذلك - في اعتقادي- مرهون بالقضاء العسكري على النظام السوري الدموي الغاشم قضاء مبرماً ..
بقلم : ناصر الصويل