الخوف لا يكون إلاّ من قوي حقيقي أو من مُعتقد بقوته أو من شهد الناس مظهراً يحكم له بالقوة ، وما نشهده وشهده العالم في مصر من تحرك داخلي وخارجي ضد جماعة الإخوان المسلمين تحديداً والقوى الوطنية عموماً من انقلاب عسكري دموي ومجازر واعتقالات مسعورة واتهامات متعددة ومساعي محمومة للحل والحظر لا يدل على قوة انتقام من الإخوان فهم لم يجرموا إطلاقاً بحق احد لا فرد ولا جماعة وإنما دافع ما يحصل وحصل هو الخوف الشديد من الإخوان المسلمين كفكر وكتيار إسلامي يهدد رغبتهم في التسلط والحكم ، بالإضافة إلى الحسد والحقد اللذان تحملهما تجاههم التيارات الفكرية والنفعية ضحلة او عديمة الشعبية وتترس اليوم بخيانة العسكر وياللعجب لمدنيتهم المزعومة!! ، الإخوان تيار عميق يحظى بأوسع شعبية في مصر على الإطلاق ، صحيح أنّ من يؤيده وينضم إليه هم الشرفاء الطيبين في مصر ومن يعارضه ويناصبه العداء هم المفسدون أخلاقياً ومالياً وادارياً في مصر ، غير أن من يعارضه ويشن الحرب عليه هم القلة الساقطة في المستنقع .
إنّ من مكامن القوة لدى الإخوان المسلمين التي تقض مضاجع خصومهم واعدائهم وان حاولوا ان يظهروا بمظهر الشجاع مرهوب الجانب ، ما يلي :
المنهج الإسلامي الحق الذي يأخذ بشمولية الإسلام في النظرية والتطبيق ، وهو المنهج والفهم الذي ينشرح له خاطر وقلب المسلم الذي لم يتلوث بفساد أخلاقي او قيمي او مالي ، المهم ان يصل اليه بصورة صحيحة ، ولقوة هذا المنهج ومتانة كان مؤسس الجماعة الإمام الشهيد حسن البناء وضع الفهم أول أركان البيعة في تنظيم الإخوان المسلمين ، فهو في الوقت الذي لا يريد مقلدين او إمعات او تبّعات فانه يريد من الفرد ان يفهم وان تتاح له فرصة فهم الإخوان المسلمين اولاً قبل الانضمام إليهم ولذا يحرص الإخوان على ان يُعرفوا بجماعتهم من يرغب بالانتماء لها قبل ان يتم هذا الانتماء ولذا تسبق مرحلة التعريف مرحلة الإنضمام للجماعة ، وقد بين الإمام البناء فكرة الإخوان المسلمين في الأصول العشرين التي جعلها شارحة ومحتوية لمضمون الفهم الذي قصده في أركان البيعة ، وهو أول أركانها ، قبل حتى الإخلاص فالإخلاص من غير فهم مدمر في أحيان كثيرة .
التنظيم الحركي المتين الذي يضم افراداً مقتنعين تمام الاقتناع بالفكرة والعمل بها والتضحية من اجلها فهي فكرة إسلامية صميمة من دون غلو ولا تفريط يجمع أفرادها الحب في الله والعمل في سبيله ابتغاء مرضاته ونيل جناته مع خدمة المسلمين قدر الإمكان .
روح الجندية والالتزام التنظيمي الصارم لدى المنتمين الى تيار الإخوان المسلمين ، مع تشجيعهم على المبادرة الذاتية المنضبطة والإتقان والإبداع في مجال عملهم الخاص،وهذه الروح تغذيها الثقة في المنهج والقيادة وتوفيق الله ، وهذه الثقة في حد ذاتها مكمن من مكامن قوة تنظيم الإخوان المسلمين ولذا فان سهام أعدائهم وخصومهم تهدف الى إصابة هذا المكمن في مقتل عبر التشكيك في المنهج والقيادة وإثارة الشبهات والتساؤلات حولها .
الشعبية الكبرى للإخوان المسلمين وسط شعوبهم لثقة الناس بهم كأفراد ومنهج ، انهم لم يعهدوا منهم إلاّ الصدق والخدمة وبذل المجهود والحرص على مصلحة المجتمع والعمل من اجل تحصيلها قدر الوسع ولذا فان أعداء الإخوان وخصومهم لم يكفوا يوماً عن سعيهم للحيلولة بين الإخوان وأدوات العمل المدني وسط المجتمع و قدرتها على كسب مصادر التمويل .
إنّ الشعبية والجماهيرية التي يمتلكها الإخوان ويحافظون عليها من خلال تمسكهم بمنهجهم وسلوكهم العملي الفردي والعام ، ان هذه الشعبية تمثل مصدر قوة لا تضاهى،وتمثل ضمان للإخوان في الوصول الى السلطة في أي انتخابات حرة ونزيهة كما انها تمثل سند شعبي لا يُستهان به وهو في الاخير يفرض ارادته .إن اعداء الإخوان وخصومهم لا يستطيعون مغادرة حالة الحصار المجتمعي الذي يعيشونه ويحول بينهم وبين الفوز بالأغلبية في الانتخابات ولذا فأنهم لا يطيقون انتخابات حرة ونزيهة ولذا فأنهم ما وسعتهم القدرة يعملون من اجل تصميم قانون انتخابي يحول بين الإخوان وقاعدتهم التصويتية أو يعملون من اجل تزوير الانتخابات والتحكم في مدخلاتها ونتائجها أو يمنعون إجراء الانتخابات أي يحرمون الإخوان الفرصة بالجملة ، ويدخل ضمن هذا منع تأسيس الأحزاب السياسية بحيث لا يتاح للإخوان تشكيل حزبهم ، أو وضع قوانين مهندسة بحيث تحرم الإخوان من إمكانية تشكيل حزب لهم يخوض المعترك الانتخابي والديمقراطي.
تاريخ الإخوان المُشرف وسجلهم الناصع : يمتلك الإخوان سجلاً و تاريخاً حافلاً بالمآثر والانجاز لصالح شعوبهم وأوطانهم قدر وسعهم وقدر ما واتتهم الفرصة التي لا يترددون دوماً في السعي لخلق مزيدها وليس انتظارها تأتي فحسب ويختصر الوصف عبارة ((بتوع ربنا)) التي أطلقتها مُسنة مصرية في موسم انتخابي زمن المخلوع مبارك ، ولذا لا يحرص أعداء الإخوان المسلمين حرصهم على تشويه الإخوان وتاريخهم بشتى السبل وبمختلف الوسائل : فالاتهامات لا تتوقف والأكاذيب والتقولات وتأويلها وتسليط بعض أهل العلم من علماء الحكام وإتباعهم للنيل من الإخوان وتسخير الأقلام المسمومة والمستعدين للإيجار ولخيانة مراكزهم العلمية ، والقنوات الفضائية بما في ذلك الإنتاج الدرامي والجرائد المحلية والدولية ، كل هذه أدوات مسخر كثير منها لتشويه الإخوان وسجلهم النظيف .
سلمية الإخوان وإيمانهم بالنضال السلمي داخل أوطانهم ، وقد قال أخيراً مرشدهم العام الدكتور محمد بديع ((سلميتنا أقوى من الرصاص)) ، قد يظهر أنّ الرصاص يحسم جولة ولكنه الظهور الخادع فان رصاص الباطل وإرهابه وأدواته وزبانيته يبقى اضعف من الحق الذي هو القوة المُهابة في عدالة قضيته واستقامة حملته ومحبة وتضامن الناس معهم .
ويعلم بسلمية الإخوان كل دوائر صنع القرار في العالم على الرغم من محاولات البعض لوصم الإخوان بالعنف والإرهاب وانه يتحمل مسؤولية تيار السلفية الجهادية ، إنّ الإخوان يدركون أن البناء والتنمية عملية يتم انجازها ومراكمتها في أجواء السلم والتنافس السلمي الديمقراطي لذا فانهم قد جنحوا للسلم وللديمقراطية من دون رجعة ، فالديمقراطية التي تنمو وتثمر في أجواء السلم هي انضج ما توصل إليه الفكر الغربي والإنساني كآلية للحكم والبناء والتنمية في زمن تعدد التيارات والتوجهات الفكرية والسياسية.
القدرة التمويلية لدى الإخوان ، المال عصب لا غنى عنه في العمل التنظيمي والميداني ، وقدرة الإخوان المسلمين المالية على تواضعها نسبياً يكشف سر من أسرار ريادة الإخوان وحجم الثقة فيهم والمحبة لهم و التعاطي مع متطلباتهم من قبل المئات من الموسرين بشكل خاص والمناصرين بشكل عام !! ، بل و يكشف الحجاب عن إسلامية الإخوان وأنهم مختلفين تماماً عن كل الجماعات والأحزاب والقوى السياسية على الساحة المعنية ، مع الاحترام لمن يستحق ذلك ، ويزيح ( التمويل ) اللثام عن الجوهر الفذ والنقي لجماعة الإخوان المسلمين .
تفخر جماعة الإخوان بمنتسبيها وكوادرها وشبابهم الذين يرون سعادتهم في ان يكون الإخوان المسلمون كتنظيم دليلاً وعوناً لهم في ما يرفع مكانتهم و درجتهم عند ذي الجلال والإكرام .....ولذا فان أموالاً طائلة الإخوان في غنى عن دفعها في الوقت الذي ينفق أضعافها الآخرون لكسب الأنصار والمناصرين أموال يضخونها للأفراد لكي يعملوا ويتحركوا خاصة في المواسم الانتخابية .
وحينما ندرك فهم الآلاف لتنظيم الإخوان المسلمين باعتباره تنظيم إسلامي وسطي يدعو إلى إقامة اكبر المعروف وهو تحكيم شرع الله في خلقه ، ويسعى بأبراره و أنقياه و أتقياه إلى تقديم الخير للمجتمع والعمل من اجل تغيير المجتمع بما يعود عليه بخير الدنيا والآخرة ، حينما ندرك ذلك يُصبح فهم طريقة تمويل أعمال الإخوان سهلاً ميسوراً، فمع هذا الفهم يُصبح الإنفاق على أعمال الإخوان وأنشطتهم يأتي في سياق الإنفاق في سبيل الله تمكيناً للدعوة والدعاة فالصدقة والزكاة مثلما تُخرج على الفقراء واليتامى والمساكين فإنها تُخرج أيضاً للعمل الإخواني الذي يسعى بمختلف الوسائل المشروعة إلى تحكيم الشريعة الذي من شانه ان يحل كل المشاكل والمعضلات بما في ذلك حل جذري لقضايا الفقر والعوز والحاجة .
لذا لا نستغرب وجود الآلاف من الناس المستعدين للبذل للإخوان من حر مالهم محتسبين الأجر والثواب من الله ، وهم وآخرين مستعدين لصرف ساعات من أوقاتهم من اجل العمل الإسلامي بقيادة الإخوان ومنهم من يتحمّل الأذى الذي يلحق به بسبب انتمائهم للإخوان و وقوفهم مع التنظيم ومساندتهم له ـ وهم منه وهو منهم ـ لأنهم يدركون أنهم إنما يدفعون ثمن مبدأ آمنوا به وناصروه .
وقد قال الرسول صلى الله عليه وسلم: (( نعم المال الصالح للرجل الصالح )) فهو يمكنه من استخدامه وتسخيره في الصالح والمصلح من الأمور،والعكس صحيح فبئس المال الواسع للرجل الفاسد فهو يسخره في الفاسد المفسد من الأمور، ويُضاف إلى هذا فان الحرص على مال وممتلكات الإخوان والتعامل الأمين معه ومعها يوفر الكثير من المال ويمنع سوء التصرف فيها بل انه يدفع إلى تنمية أموال الإخوان وتعمير ممتلكات التنظيم ، والآلف من أنصار و كوادر الإخوان لا يترددون في تسخير ممتلكاتهم و مركباتهم من اجل الإخوان دون أي مقابل يستلمونه أو يتطلعون إليه وإنما ابتغاء الأجر والمثوبة من الله وتدعيماً للمشروع الإسلامي الوطني الرائد الذي يعمل الإخوان من اجله .
وبالعودة إلى ما سبق فان مصادر تمويل أعمال الإخوان ، وأبرزها الأعمال التنظيمية وإيجار المقرات ورواتب العاملين بها ، بما في ذلك أعمال الحراسة والسكرتارية ، فهي :
1ـ اشتراكات أعضاء التنظيم .
2 ـ تبرعات أعضاء التنظيم .
3ـ تبرعات محبي الإخوان ومناصريهم من غير الأعضاء .
4 ـ الهبات غير المشروطة التي لا تتعارض مع أحكام القوانين النافذة في بلدانهم .
5 ـ ما قد يكون للإخوان من استثمارات تُدر على التنظيم بعض المال .
إنّ الخوف من الإخوان المسلمين يتجاوز الخوف منهم كتنظيم متين له شعبية جارفة ، الى الخوف من تأثيرهم وصنيعهم وانجازهم في أوطانهم ان تسنى لهم ذلك ، ان أوطانهم ستتمكن من التقدم والتطور في حال تمكنوا من حكمها وستصبح أرقام لا يمكن تجاوزها في المنطقة والاقليم ، واذا كان بعض أعداء الإخوان يخافون الإخوان لأنهم يجعلون لأوطانهم منعة مادية وأخلاقية ومعنوية ، يخافونهم لأنهم يمنعون من تحويل مصر الى مجرد ماخور وكابريه لتجار الشهوات و لطالبي المتعة من فجار الخليج بصفة خاصة .
ومع هذا فان الإخوان في حال تمكنهم من الحكم سيقدمون النموذج الإسلامي الباهر في الحكم ، وسيكون في المجموع لنجاحهم في العالم الإسلامي تأثير كبير.
ويتعزز الخوف اليوم من الإخوان المسلمين في مصر بعد مجازر الدم التي ارتكبها المجرم عبدالفتاح السيسي وطغمته واعوانهم وداعميهم في المملكة العربية السعودية وإمارة ابوظبي وإمارة دبي ، انهم اليوم رسمياً هم غرماء الاخوان المسلمين كما انهم خصوم احرار العالم الحقيقيين ، ولذا يتمادى السيسي في مشروعه الدموي التصفوي ضد الاخوان المسلمين في مصر ليخصم من قوتهم وليقلل من هول ساعة العقاب التي يذهب اليها السيسي وشركائه بصلفهم وغرورهم بالرغم من كيدهم وتآمرهم المستمر ضد الاخوان وامعانهم في مخططهم الأمني المحكوم عليه بالفشل والهزيمة أمام قوة الاخوان المسلمين غير القابلة للكسر ولا للطي .
يتقاسم اعداء الإخوان المسلمين وخصومهم الخوف المتأصل منهم والحسد والحقد الدفين عليهم ، ولذا فانهم يحاولون قدر طاقتهم ووسعهم للنيل من الاخوان المسلمين واضعاف قوتهم المستعصية باستهداف مكامنها وعناصرها ، وقد أثبتت كل التجارب فشل مخططات أعدائهم وخصومهم في المحصلة مع تصاعد أسهم الإخوان المسلمين.
بقلم : مرعي حميد