قبل أن يدمي أذاننا النخاس

عيد الأضحى عيد الألفة والوحدة والتصالح والمحبة والوئام والتواضع والسكينة و نبذ العنف والتطهر روحا وعملا, وما اجتماع الأمة في المشاعر المقدسة إلاّ رمزا لا نظير له لهذه السلوكيات المحمدية المسنونة في سائر الأيام وعلى الأخص في الأشهر الحرم التي يعرف تشريعها و حقها و أعرافها حتى من لم يدخل الإسلام في قلوبهم بل وممن جاهروا بالظلم والعداوة للإسلام والمسلمين ، فللفطرة الإنسانية عامة و العربية خاصة قيم تمثل حدا أدنى يكفل حفظ حقوق الإنسان وحرمته وفق قانون التعايش الذي أقرته حتى قوانين الجاهلية.

وليت من أكل الحرام و خرج في الأيام الحرام والشهر الحرام أن يكون له مثقال ذرة من مكارم و أخلاق سفلة أهل الجاهلية في مراعاة حرمة دم الإنسان وحقوقه , هذا على فرضية أنهم من أبناء الجاهلية ولا علاقة لهم بالإسلام البتة لا من قريب و لا من بعيد!        

لقد حدد وقرر هؤلاء المارقين عن الإنسانية والدين و عن كل القيم الخروج من كهوفهم و أوكارهم المظلمة في أيام عيد الأضحى على وجه التحديد ، ليضعوا بصمتهم الدموية المتوحشة على مظاهر عيدنا وحياتنا في محاولة منهم أن يعودونا على تقبل هذا المشهد الوحشي في أعيادنا وسائر أيامنا , وأن  يرسخوا في أذهان الجميع وأطفالنا على وجه الخصوص واقعا جديدا رسمت ملامحه وتفاصيله في خارج حضرموت ليطبق فيها، فقد تم ابتعاث عناصرهم للتدريب والتأهيل إلى الخارج و جلب الخبراء المتعطشين للدم وللدولار بعد أن هيئت وكفلت لهم من قبل عديمي الإنسانية والضمير ومن أصحاب الجولات المكوكية و رموز الطابور الخامس في اليمن "التعيس" تذليل كافة المعوقات و الصعوبات و ضمان الحماية القصوى و توفير الرفاهية لهم وعدم المساءلة وكأنهم في حظيرة أغنام يختارون أضاحيهم منها وفق معايير وأهداف مدونة في الكتالوج الذي أعده مصنع الإرهاب الرئيس خارج حضرموت.

هذا جزء من حقيقة مرة تغافل عنها الراسخون ، وجهلها العوام و الجاهلون ، رغم أن الواقع أمر وأدهى وأخطر من ذلك بكثير.

 ومما يفسح الطريق لهؤلاء ويشجعهم على التمادي غياب العقاب و صمتنا المخزي و هرولتنا في استقبال و تمجيد رموزهم المتوارين خلف مراكز النفوذ المركزية والقابعين في رؤوس الجبال و المتدثرين بجلباب الدعوة أو ما يسمى بمشاريع البر والإحسان المناطقية و الثياب البيض الزاهية التي تضمر لعمق الوادي المبارك حقدا دفينا بدافع الحسد والشعور بالنقيصة الأمر الذي يصعب استئصاله من قلوبهم السوداء.

لا أدري لماذا نهرول إليهم و نتملقهم وهم في حقيقة الأمر أشد عداوة لنا إنسانا وأرضا وتاريخا! هل بلغنا من الحماقة و السذاجة هذا المبلغ؟ أم أنها خسة و ضعف أمام الماديات التي نجحوا في الترويج لها في نفوسنا و تمكنوا من جعلها جزءا مهما من سلوكياتنا وطموحاتنا لجعلنا عبيد طائعين لها ولهم سرمدا؟

بهذا النهج السلبي والصمت المخزي و الغريب علينا كحضارمة أصحاب المجد تليد؛ أشعر أنه قد أفلح أعدائنا في جعل ذلك واقعا نعيشه ضمن غيبوبة شبة تامة أو على الأقل ظاهرة حقيقية , وبهذا نكون قد مكناهم من أنفسنا تماما وأعطيناهم الصوت لجلدنا والخنجر لطعننا وتقطيعنا كيفما شاءوا فوضعونا على أثافي الفرقة والتشكيك في بعضنا وأمراض النفوس والخواء الفكري ليشغلونا بأنفسنا كي يتسنى لهم قتلنا و نهب ثرواتنا أمام أعيننا في وضح النهار ليزدادوا بها قوة وجبروتا علينا، ونزداد نحن ضعفاً وهزالاً وتفرقا واحتقارا في نظرهم وفي صفحات التاريخ , لأنه لا مرجعية لنا نقرها ولا كبير نؤقره ولا عاقل بيننا نحترمه, وأن وجد تأمرنا عليه، وسلمناه لهم مطعونا في كرامته ومشكوكا في قيمه، ومجروحا في عدالته، مثخنا بالجراح، أقرب إلى الموت من الحياة .

إن لبثنا سادرين في هذا الغي و الواقع المزي و المخزي قد يتبرأ منا التاريخ و ينزع من صفحاته أنصع الصفحات التي كتبها كافة أهل حضرموت في كل مكان و في كل جوانب الحياة الإنسانية  بإخلاصهم لربهم وصدقهم مع أنفسهم و اعتزازهم بكرامتهم و بلادهم و ستكون أذاننا بيد النخاس يدميها كيفما يشاء.

 بقلم : محمد بن حسن السقاف

إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص