ماذا يحصل في بلدان الربيع العربي ؟

مثلت ثورات الربيع العربي التي شهدتها عدد من البلدان العربية مرحلة تاريخية هامة في نضال الشعوب العربية، وشعلة نور مضيئة في سماء العرب المظلم.. هذا الظلام الذي فرضه الحكام الطغاة خلال فترة حكمهم الطويلة التي امتدت عقوداً من الزمن، مارس هؤلاء الطغاة خلالها كل أساليب القمع والتنكيل والقتل ضد معارضيهم السياسيين، ونهبوا ثروات الشعوب وحولوها إلى رصائد بمليارات الدولارات في البنوك الخارجية وعلى حساب شعوبهم التي تعاني من الجوع  والفقر والأمية إلى جانب تكميم الأفواه... كل ذلك كان سبباً في اندلاع ثورات الربيع العربي التي انطلقت شرارتها الأولى من تونس لتأتي على مصر وليبيا واليمن وسوريا، ولازالت تفاعلاتها قائمة حتى اليوم في أكثر من بلد عربي، حيث شهدت هذه البلدان احتجاجات واعتصامات سلمية استمرت أياماً وشهوراً قابل هؤلاء المحتجون السلميون بصدورهم العارية آلة القتل والقمع التي استخدمها الطغاة وسقط منهم الآلاف ما بين قتيل وجريح في محاولة من هؤلاء الطغاة القضاء على هذه الثورات وإنقاذ عروشهم المتساقطة..

وقد نجحت هذه الثورات في الإطاحة برؤوس الطغاة من على كراسي الحكم منذ ما يقرب من عامين، ولكنها للأسف فشلت حتى الآن في القضاء على تركيبة النظام القديم بمؤسساته الأمنية والعسكرية والإعلامية ورموزه التي لازالت تتحكم وتسيطر على كثير من أجهزة الدولة المدنية والعسكرية والإعلامية والقضائية، وتقوم بنشاطات معادية؛ حيث تشهد عدد من بلدان الربيع العربي سلسلة من الاغتيالات لكوادر مدنية وأمنية وعسكرية ومتاعب اقتصادية وأعمال تخريب للمنشآت، واختناقات تموينية وغيرها ..

والأخطر من ذلك هي تلك الحملات الإعلامية التي تشنها الأجهزة الإعلامية الضخمة التي تمتلكها رموز هذا النظام مستفيدين من العناصر الموالية لهم والتي لازالت تتربع على رأس هذه الأجهزة، وكذلك من الأموال التي سرقوها من أقوات الشعوب، وتأتي أشدها خطورة أحكام القضاء التي صدرت بتبرئة عدد كبير من رموز النظام القديم التي أسهمت بشكل مباشر في قتل المتظاهرين والمحتجين السلميين كما حصل في مصر في الوقت الذي يحاكم عدد كبير من الشباب الذين أسهموا بفعالية في ثورات الربيع العربي بتهم كيدية وزج بالعشرات منهم في السجون والمعتقلات..

ويأتي انقلاب 30 يونيو في مصر المدعوم إقليمياً ودولياً تتويجاً للتآمر ضد ثورات الربيع العربي لإفراغها من توجهاتها الديمقراطية والتحررية، ومحاولة جادة من سلطة الانقلاب في مصر لإعادة النظام القديم بكل رموزه ومؤسساته .

وما يجري في سوريا من قتل يومي للشعب باستخدام مختلف الأسلحة بما فيها السلاح الكيماوي المحرم دولياً والتي بلغت هذه الجرائم إلى جرائم  ضد الإنسانية في ظل تخاذل وصمت المجتمع الدولي والإقليمي، وما تحرك أمريكا والدول الأوروبية أخيراً بعد استخدام النظام للسلاح الكيماوي إلا لأنهم وجدوا في ذلك فرصة ذهبية للتدخل الدولي لتدمير المخزون الكيماوي للنظام السوري الذي يحتفظ به كسلاح ردع إقليمي في مواجهة الترسانة النووية للكيان الصهيوني .

وما يجري في اليمن من أعمال تخريب للمنشآت الاقتصادية والنفطية وأعمال تقطع وقتل واغتيالات تكاد تكون يومية للكوادر الأمنية والعسكرية، وإشاعة حالة من الفوضى والفلتان الأمني تهدف كلها إلى عرقلة أية تغييرات حقيقية تمس تركيبة النظام السابق ورموزه الفاسدة .

ولا يستبعد أن هناك من يستعد للقيام بمغامرة عسكرية لإعادة الأوضاع إلى ما قبل ثورة فبراير 2011م.. فكل المؤشرات اليومية التي تحصل هنا وهناك من اقتحام للمعسكرات واغتيالات للكوادر الأمنية والعسكرية تؤكد هذه الفرضية، مستفيدين مما جرى في مصر ومن حالة الاحتقان الشعبي الذي يزداد شدة يوماً بعد يوم لعدم وجود تغييرات ملموسة في حياة الناس وأمنهم ولقمة عيشهم فأولئك الذين قامت الثورة ضدهم لازالوا حاضرين بقوة في المشهد السياسي، ولازال قتلة الثوار أحراراً طلقاء لم تمسسهم أيدي العدالة، وفي الآونة الأخيرة لوحظ وبشكل كبير وملفت للنظر ازدياد أعمال القتل والاغتيالات في محافظة حضرموت وحدها حيث سقط العشرات من الضحايا في فترة قصيرة جداً لا تتجاوز الشهرين.. لماذا هذا الاستهداف لحضرموت وكوادرها الأمنية والعسكرية ؟ هل لأنها محافظة واسعة مترامية الأطراف يصعب السيطرة عليها؟ أم لأنها محافظة ذات عمق استراتيجي وبها ثروات الكل يرغب في السيطرة عليها وأهلها هم الذين يدفعون الثمن؟! فهذه الثروات التي توجد في أراضيها بدلاً أن تكون نعمة لأبنائها، فقد تحولت إلى نقمة عليهم، فكوادرها الأمنية والعسكرية تقتل ومياهها وأراضيها تلوث، وأراضيها تنهب.. إلى متى ؟

 بقلم الأستاذ : فرج طاحس 

إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص