حضرموت اليوم / المكلا / عبد الله الحضرمي
من ينظر إلى هذه الصور لتلاميذ في المرحلة الأولى من حياتهم التربوية والتعليمية ليس له مجال إلا أن يحكم علينا ببلادة الحس وفقدان الشعور ، فليس فينا عرق ينبض بأمر بمعروف ولا نهي عن منكر حتى لو وصل الأمر بفلذات أكبادنا ، الذين نحملهم حملا على الذهاب إلى المدرسة ولا نبخل عليهم بغال ولا رخيص ، ثم نقذفهم إلى الجحيم ...
نعم جحيم بل عذاب غليظ . عذاب عذاب عذاب نفسي وجسدي ، حين يدخل بوابة العذاب ليجد كرسياً ليس أغلظ منه إلا قلوبنا التي لا تتحرك لأنين قلوبهم ، وليت الأمر يقف عند ذلك ، بل يتضاعف سوء حظه ليشاركه خمسة وأربعة من زملائه هذا الدرك الأسفل من العذاب ، فلا تسل عن تلك الروائح الكريهة المنبعثة من تجاور هذه الأجساد الطرية الغضة ، ولا تسل عن التقييد المفروض عليهم ، أما التعليم فالصيف ضيعت اللبن .
وسأترك لك الخيال – آسف فليس لك حاجة للخيال – فالواقع يملي ذلك أيمكن أن تصل معلمة أو معلم إلى 97 طالباً أو طالبة في الصف الأولى ؟! بل إني لأرثي لتلك المجاهدة أو المجاهد قبل أن أقول شهيداً فقد قال الشاعر :
يا من يريد الانتحار وجدته إن المعلم لا يعيش طويلاً
كيف يصل إلى قلوب وعقول هذه الأجساد لأنني أعتقد أنه لن يكون عقل . وقد حملنا هذه الصور بل قل الهموم التي تبثها ، إلى أحد المهتمين بالجانب الاجتماعي ، لنعرف رأيه في أثر الازدحام ، وآثاره النفسية والتربوية ،
فقال : من خلال إدراكنا لأهمية التعليم الابتدائي ، وخصوصاً للسنة الأولى من عمره الدراسي ، التي يغلب عليه الخيال فيحلم بعالم مثالي يخلقه خلقاً ثم يعيش بين جنباته ، فتراه متشوقاً للذهاب للمدرسة ، لكن حين يلج بوابة المدرسة ، يرى الازدحام والأصوات والصراخ من هنا وهناك ، يتبدد ذلك الحلم لتحل محله عذابات المجتمع الجديد ( المدرسي ) ، وهنا تظهر المأساة الحقيقية بكل ظلالاتها ، وهنا يبرز التناقض بين حب المدرسة وكرهها ، في شخصية التلميذ ، فتتولد شخصيات مضطربة نفسيا ، وسلوكياً ذات اتجاهات مختلفة ( انطوائية – عدوانية ......)
أما التربية والتعليم ، فأول متطلباتها أن نهيئ المؤسسة التربوية ( الروضة – المدرسة ) تهيئة نفسية ، واجتماعية أولاً وقبل كل شيء ، من حيث البيئة الصفية ، إعداد المعلم جيداً ، لنغرس فيه القيم والمبادئ الأخلاقية . فكيف نصل إلى هذا الهدف النبيل ، في صف تتراكم فيه الأجسام ليصل إلى ( 80- 95) تلميذا وتلميذة ، مهما كانت مهارة وخبرة المعلم ، وقوة احتماله ، فالطاقة البشرية لها حدود معينة . بل لعل هذا الازدحام يصيب المعلم بالإحباط واليأس في الظروف القاسية التي نمر بها . وبعد ما ذا يمكن أن نقدم لأبنائنا لنخفف من معاناتهم النفسية ؟
من وجهة نظري هناك الكثير الذي يمكن أن نقدمه لهم ، ألا يمكن أن نبحث عن الأسباب الحقيقية لهذا الازدحام ؟ بلى يمكن فقد تكون سهلة يمكن التغلب عليها ، فبعض المدارس ليس فيها مشكلة في توفر الغرف الدراسية ، فتوفير عدد قليل من الأثاث يمكن أن يحل المسالة . أما البعض الآخر قد تحتاج إلى معلم أو معلمة فقط بشهادة الإدارات المدرسية . فأين تذهب الأعداد الهائلة من القوة التعليمية في مدينة المكلا ؟ وكم ترتكب من الحماقات في تحويل أعداد كبيرة منهم إلى إداريين ، واسألوا عن عدد المعلمات في رياض الأطفال لأن لديهم ظهوراً تسندهم ، وإدارة التربية بالمحافظة والمديرية أرأف بهم ، أما أبناؤنا الجحيم مثواهم .