حلف نصرة المظلوم : مشروعيته – ضوابطه – آدابه

* قال في النهاية . أصل الحلف المعاقدة على التعاضد والتساعد والاتفاق ، فما كان منه في الجاهلية على الفتن والقتال بين القبائل فذلك الذي ورد النهي عنه في الإسلام بقوله صلى الله عليه وسلم : ( لا حلف في الإسلام ) ، وما كان منه في الجاهلية على نصرة المظلوم وصلة الأرحام ونحوهما فذلك الذي قال فيه صلى الله عليه وسلم " أيما حلف كان في الجاهلية لم يزده الإسلام إلاّ شدة". [تحفة الأحوذي - (4 / 253)].

# نظرة شرعية لحلف نصرة المظلوم:

أسس العربُ - قبل البعثة -،حلفين أو هيئتين إصلاحيتين، بهدف نصرة المظلوم وردع الظالم .

الحلف الأول :

(حلف الْمُطَيّبِينَ)، وسبب تأسيس هذا الحلف أن فريقًا من قريش أجمعو على أن يأخذوا من بني عبد الدار الحجابة – أي شرف خدمة الكعبة -، واللواء – أي شرف حمل اللواء في الحروب -، والسقاية – أي شرف سقي الماء للحجيج، فهذه المكرمات الثلاثة لم تجتمع في أي عائلة من عائلات العرب، فحقد عليهم الحاقدون، ومشوا في نزع هذا الشرف وتقسيمه، فتفرقت عند ذلك قريش ، واختلفت الآراء، فاستنصر بنو عبد الدار أصحاب النخوة والرجولة، فاجتمع أنصار بني عبد الدار، فأخرج بنو عبد مناف قصعة مملوءة طيبًا .ثم غمس الحضور أيديهم فيها ، فتعاقدوا وتعاهدوا، على نصرة بني عبد الدار والمظلومين من بعدهم، ثم مسحوا الكعبة بأيديهم توكيدا على أنفسهم فسموا المطيبين [ انظر : ابن هشام 1/130-132] .

ثم اصطلحوا واتفقوا على أن تكون الرفادة والسقاية لبنى عبد مناف، وأن تستقر الحجابة واللواء والندوة في بنى عبد الدار، فانبرم الأمر على ذلك واستمر [ ابن كثير ( السيرة) 1/101].

ولم يشهد رسول الله – صلى الله عليه وسلم – هذا الحلف ..

الحلف الثاني :

(حلف الفضول)، وهم جماعة من المطيبين، وقد شارك فيه رسول الله – صلى الله عليه وسلم – وهو في سن العشرين، وكان من أمر هذه الهيئة الإصلاحية؛ أن تداعت قبائل من قريش إلى حلف فاجتمعوا له في دار عبد الله بن جدعان، لشرفه وسنه، فكان حلفهم عنده، فتعاقدوا وتعاهدوا على أن لا يجدوا بمكة مظلومًا دخلها من سائر الناس، إلا قاموا معه وكانوا على من ظلمه حتى ترد عليه مظلمته فسمت قريش ذلك الحلف حلف الفضول [ انظر : ابن هشام : 1/134،135].

قال ابن كثير : وكان حلف الفضول أكرم حلف سُمع به وأشرفه في العرب، وكان أول من تكلم به ودعا إليه الزبير بن عبد المطلب.

وكان سببه أن رجلاً غريبًا قدم مكة ببضاعة فاشتراها منه العاص بن وائل فحبس عنه حقه، فاستعدى عليه الغريبُ أهل الفضل في مكة ، فخذله فريق، ونصره الآخر، ثم كان من أمرهم ما ذكرناه، وقد وتحالفوا في ذى القعدة في شهر حرام، فتعاقدوا وتعاهدوا بالله ليكونن يدا واحدة مع المظلوم على الظالم حتى يؤدى إليه حقه ما بل بحر صوفة، وعلى التأسى في المعاش.

ثم مشوا إلى العاص بن وائل فانتزعوا منه مال الغريب، فدفعوها إليه.

ولقد أيد رسول الله – صلى الله عليه وسلم – بعد بعثته حلف الفضول حيث قال:

" شَهِدْتُ حِلْفَ الْمُطَيَّبِينَ [ يقصد حلف الفضول فهم في الأصل من جماعة المطيبين] مَعَ عُمُومَتِي وَأَنَا غُلَامٌ فَمَا أُحِبُّ أَنَّ لِي حُمْرَ النَّعَمِ وَأَنِّي أَنْكُثُهُ " [ أحمد، برقم 1567، وهو في السلسلة الصحيحة].

وقال أيضًا : " لَقَدْ شَهِدْت فِي دَارِ عَبْدِ اللّهِ بْنِ جُدْعَانَ حِلْفًا مَا أُحِبّ أَنّ لِي بِهِ حُمْرَ النّعَمِ وَلَوْ أُدْعَى بِهِ فِي الْإِسْلَامِ لَأَجَبْت" [ ابن هشام : 1/133]

وفي صحيح مسلم عَنْ جُبَيْرِ بْنِ مُطعَمٍ ، قَالَ " : قَالَ رَسُولُ اللّه صلى الله عليه وسلم : " لا حِلفً فِى الإِسْلاَم ، وَأيُّمَاَ حِلف كَانَ فِى الجَاَهِلِيَّةِ ، لَم يَزِدهُ الإِسْلاَمُ إِلاَ شِدَّة).

وقوله( لا حلف في الإسلام )أراد به حلف التوارث والحلف على ما منع الشرع منه . [الديباج على مسلم (5 / 478)].

وكان السلف يتداعون لمثل هذا الحلف عند الضرورة ووقوع الظلم وردع الظالم .

روى ابن إسحاق عن محمد بن إبراهيم بن الحارث التيمي :

أنه كان بين الحسين بن علي بن أبي طالب رضي الله عنه وبين الوليد بن عتبة بن أبي سفيان - والوليد يومئذ أمير المدينة أمره عليها عمه معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه - منازعة في مال كان بينهما بـ( ذي المروة ) فكأن الوليد تحامل على الحسين في حقه لسلطانه فقال له الحسين : أحلف بالله لتنصفني من حقي أو لآخذن سيفي ثم لأقومن في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم لأدعون بحلف الفضول

قال : فقال عبد الله بن الزبير - وهو عند الوليد حين قال له الحسين ما قال - : وأنا أحلف بالله لئن دعا به لآخذن سيفي ثم لأقومن معه حتى ينصف من حقه أو نموت جميعا . قال : وبلغت المسور بن مخرمة بن نوفل الزهري فقال مثل ذلك وبلغت عبد الرحمن بن عثمان بن عبيد الله التيمي فقال مثل ذلك .

فلما بلغ ذلك الوليد بن عتبة أنصف الحسين من حقه حتى رضي . [صحيح السيرة النبوية (1 / 37)].

# ضوابط حلف نصرة المظلوم :

من خلال ما سبق نستطيع تحديد الضوابط الشرعية لحلف نصرة المظلوم الذي ينبغي أن لا يتخلف عنه وعن مناصرته مسلم يستطيع نصرته.

& الضابط الأول: أن يكون بناء الحلف وتأسيسه على نصرة الحق وأهله أياً كانوا.

قال تعالى:{وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الْأِثْمِ وَالْعُدْوَانِ} [المائدة: 2] وقال تعالى:{إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ}[الحجرات:10] والنبي عليه الصلاة والسلام بلغ معه الأمر أن قاتل قريشاً صلى الله عليه وسلم مع أنه هو قرشيّ ومع أنه هو من صلب العرب بل هو سيد العرب ومع ذلك سل الحسام في وجه هؤلاء لا من أجل العروبة ولا المدينة ولا مكة ولكن من أجل كلمة لا إله إلا الله محمد رسول الله، فأول أساس يقوم عليه هذا الموضوع من النصرة والتحالف بين المسلمين إنما هو نصرة الحق و الإيمان، الإيمان بالله لأن المسلم لا ينظر أبداً إلى نفسه ولا إلى أوضاعه وإنما ينظر في الحقيقة إلى ما يرضي الله عز وجل، فأي شيء يرضي الله يجب أن يسير وراءه وأن يطلبه وكل شيء لا يرضي الله عز وجل ينبغي أن يتخلف عنه وأن يتركه

& الضابط الثاني : أن يكون الحلف لنصرة المستضعفين والمظلومين وردع الظالمين والمجرمين.

فقد جاء في حلف العرب (فتعاقدوا وتعاهدوا على أن لا يجدوا بمكة مظلوما من أهلها وغيرهم ممن دخلها من سائر الناس إلا أقاموا معه ، وكانوا على من ظلمه حتى ترد عليه مظلمته ) .

والمتفحص لنصوص هذا العهد يستشف كونيته من خلال الإجماع الحاصل بين المجتمعين على التصدي للظلم ونصرة أي إنسان كيفما كان لونه أو عرقه أو قبيلته ، وهو ما تعكسه عبارة (( سائر الناس )) الواردة في الرواية، مما يدل على عالمية الحلف وشموليته وبعده الإنساني ، بعيدا عن التعصب لقبيلة أو لمنطقة بعينها ، وبعيدا عن استغلال قاعدة الدفاع عن المظلوم لأغراض سياسية أو الكيل بمكيالين كما تفعل اليوم بعض القوى والدول الكبرى .

& الضابط الثالث: أن يكون ذلك عن ظلم متحقق نزل بالناس عامة أو خاصة وتداعو على رفعه.

كما يفيده سبب إنشاء الحلفين (حلف المطيبين وحلف الفضول) وكذا قصة الحسين مع الوليد بن عقبة.

وقال الزبير بن عبد المطلب وكان صاحب هذا الحلف:

إن الفضول تحالفوا وتعاقدوا ... ألا يبيت ببطن مكة ظالم

& الضابط الرابع : أن تكون أهداف الحلف وما قام من أجله واضحة المعالم والأهداف بينت الحدود والمنطلقلت.

فينبغي أن يكون هدف الجماعة المتحالفة في التغيير والإصلاح واضحًا وضوح الشمس الوضَّاحة .. لأن المناهج الغامضة تخلق أفردًا غامضين، ويتمخض عنها أنظمة ملتوية، وأعمال تضر أكثر مما تصلح .

ومن ثم يجب أن يكون لهذا التحالف أدبيات منشورة أو مطبوعة، توضح تاريخه، وتبين منهجه، وأهدافه ووسائله بجلاء .

& الضابط الخامس: اتفاق جماعة الحلف وتناصرهم وتآزرهم على الحق وعدم اختلافهم عليه.

ففي كلا الحلفين كانت كلمة قريش بعد تحالفها واحدة وقيادتها واحدة وأهدافها واحدة ومرجعيتها واحدة .. وقال الشاعر:

لا يصلح الناس فوضى لا سراة لهم .. ولا سراة إذا فسادهم سادوا

وأصدق منه قول الله تعالى:( ولا تنازعزا فتفشلوا وتذهب ريحكم ).

# آداب حلف نصرة المظلوم :

1- التحلي بالأخلاق والآداب الإسلامية والعربية العظيمة.

من الامانة وحفظ الجوار وإغاثة الملهوف وغيرها قال صلى الله عليه وسلم :(إنما بعثت لإتمم مكارم الأخلاق).

وقال أمير الشعراء أحمد شوقي – رحمه الله - :

إنما الأمم الأخلاق ما بقيت **** فإن هم ذهبت أخلاقهم ذهبوا

فالأخلاق هي الركيزة الأولى في نصرة المظلوم وردع الظالم .

2- عدم التعدي والظلم للآخرين:

قال تعالى:( ولا تعتدوا إنه لا يحب المعتدين ). وقال صلى الله عليه وسلم الظلم ظلمات يوم القيامة ).

3- أن لا يؤاخذ أحد بجرم أحد ولا بجريرته:

قال تعالى:( ولا تزروا وازرة وزرى أخرى ). وقال صلى الله عليه وسلم أدِّ الأمانة إلى من أئتمنك ولا تخن من خانك ).

وقد أبطل الإسلام شعار الجاهلية القائل:

ألا لا يجهلن أحد علينا *** فنجهل فوق جهل الجاهلينا

4- تنظيم الصفوف وتوحيد الكلمة والبعد عن الخلافات والمناكفات الحزبية والسياسية والجهوية.

5- اختيار القيادة الحكيمة .. التير تأخذ بالناس إلى بر الأمن و الأمان وتجنبهم ويلات الحروب والفتن.

# وقفة مع الهبة الشعبية الحضرمية:

1- إن الكثير من مطالب (حلف قبائل حضرموت) ومن انضوى معه مشروعة وعادلة كما أقرت بها جميع الاطراف .. ومن حق الناس أن يختاروا لأنفسهم ما يصلحهم و من يتولى امرهم وأن يستفيدوا من ثروات بلادهم .

2- إن الأخطاء المتراكمة في تعامل الدولة والجيش والأمن مع حضرموت وأبنائها وعلمائها وقبائلها وشخصياتها المعتبرة خاصة .. ومع بقية مناطق الجنوب عامة مما وصل الى إراقة الدماء وإزهاق الأنفس والتلاعب والنهب للثروات أدى إلى ما الناس عليه اليوم .

3- نرى في تعامل حلف قبائل حضرموت مع الحدث كثير من الحكمة والتعقل ولذلك وضعوا للهبة بعض الضوابط التي يجب التقيد بها ممن أيدها منها:

أ- أن الهبة سلمية حقوقية لاعنف ولا ارهاب فيها .

ب- أنها لا تستهدف أحدا من مكونات المجتمع ولا المقيمن ولا الغرباء ولا الاجانب ولا المصالح العامة ولا الخاصة ... وإنما المراد منها استرداد الحقوق بالطرق السلمية المكفولة.

ج- أن الواجب على أبناء حضرموت كافة أن يعملوا على حفظ أمنهم وتأمين ممتلكاتهم وإعانة ضعفائهم ... وذلك بتنظيم صفوفهم وإعادة تشكيل اللجان الشعبية والحراسات الليلية التي ترهب الفسدة وتأمن المواطنين والمقيمين.

4- نرى أن الهبة إن التزمت بما أعلنت به ومضت على خطواتها الصحيحة قد تؤدي الى تحقيق بعض ما يتطلع اليه المواطن الحضرمي .. واما ان انحرفت عن خطها فقد تصبح نكبة وانتكاسة !! وما خالف الحق فالموقف منه أن (لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق).

5- ننصح بالرجوع الى اهل العلم والحكمة والعقل والرأي في المجتمع لأخذ رأيهم والاستضائة بمواقفهم حتى لا تغرق السفينة بمن فيها .. قال الله تعالى((وَإِذَا جَاءهُمْ أَمْرٌ مِّنَ الأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُواْ بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُوْلِي الأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلاَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لاَتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلاَّ قَلِيلاً)).

 

بقلم الشيخ : ابو ابراهيم محمد صالح بابحر

إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص