الشيخ الشهيد

هذه كلمات رثاء للنفس في فقد شيخنا الشهيد علي بن سالم باوزير رحمه الله تعالى واسكنه الجنة . فقد اتصل بي أحد زملائي يخبرني عن اغتيال الشيخ علي باوزير ، لم استطع أن أصدق الخبر ، فقلت له لعله إشاعة او أكاذيب ، قال لي لقد تأكدت من الخبر ، فأبت نفسي أن تصدق الخبر ، فأخذت أتأكد بنفسي ، وعندما رأيت الصور وقرأت الخبر من مصادره ، وعلمت أنه اغتيل بطلقات الرصاص من مسلحين مجهولين يستقلون سيارة أثناء خروجه من مؤسسة الرحمة الخيرية بجانب مسجد ذهبان و ذهابه الى صلاة العشاء أصيب على اثرها وأخذ الى مستشفى غيل باوزير وقد فارق الحياة ، حزنت كثيرا وقلت انا لله وانا اليه راجعون انها مصيبة ، لماذا العلماء ورثة الانبياء ، فمن يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر ؟ من يصدع بكلمة الحق كشيخنا علي بن سالم باوزير ؟ فتغيرت نفسي وبدأت تظهر هذه الملامح في وجهي وعلى صوتي و انفعالاتي ، ولم استطع النوم كعادتي تلك الليلة .

وفي عصر يوم الخميس ذهبت الى مسجد معيان الشيخ الذي كان الشيخ علي باوزير أماما للمسجد والذي لطالما صلى بنا في هذا المسجد ، ومازال صوته يتردد على أرجاء المسجد ، ومازالت حلقات العلم و المواعظ والدروس لم تمح بعد من ذاكرة الناس ، دخلت المسجد فإذا هو ملئ بالناس الذي أتوا من كل مكان في حضرموت ، وعندما قامت الصلاة تقدم تلميذه غسان بلفقيه باوزير ليصلي بنا صلاة العصر ، وعندما انقضت الصلاة وانتهى المصلين من التسبيح خرجوا أفواجا الى ساحة مدرسة الملاحي بجانب نادي الاهلي لأداء صلاة الجنازة وقد أختير هذا المكان لكثرة الحاضرين .

كانت الحشود مهيبة بالآلاف غير مسبوقة وذكرتني بجنازة الشيخ عوض بانجار رحمه الله في نفس هذا المكان الذي توفي وخلف لنا الشيخ علي باوزير شيخا لغيل باوزير.

تقدم الشيخ أحمد المعلم لأداء صلاة الجنازة ، وصعدت الدعوات بالرحمة والمغفرة للشيخ علي ثم تحركت الحشود لتشجيع الجنازة الى مقبرة مسجد عمر ، وانظر للناس فإذا هم على مد النظر حتى وصلنا الى المكان وقد امتلأ مكان المقبرة بالناس وبقية الناس خارجها على الأسفلت ، وجلسنا فتم تشغيل كلمة للشيخ ألقاها بعد صلاة الجمعة في مسجده والناس يستمعون الى خطابه وهو يرسل رسائل حتى وصل الى عبارة ( أنا ميت ولعله القتل ) ثم تلى قوله تعالى ( قل لن يصيبنا الاّ ما كتب الله لنا ) ودعا لنفسه بحسن الخاتمة ، فأجهش بعض الناس بالبكاء وتأثر الآخرون ، انها كلمات مودع ، كلمات قوية تدل على قوة حجته وقوة إيمانه بربه عز وجل .

وكان الشيخ رحمه الله كما سمعت انه في أكثر من مجلس يقول أنه سيموت مقتولا بالرصاص ، وذلك بعد رؤى رآها في منامه .

ثم تحرك الناس الى حضور الوقفة الاحتجاجية التي ترفض هذه الاعمال و الأنفلات الأمني ، والجدير بالذكر التنظيم الذي أقامه شباب غيل باوزير ، فقد جعلوا مكان للسيارات و الدراجات و تم إغلاق الشارع الذي سياسة عليه الحضور ، وامتدوا على طول الشوارع لتنظيم حركة الناس و السيارات ، فلهم مني كل التحية و التقدير .

وعلينا في هذه المرحلة لتوحيد الكلمة ورص الصفوف و أن نمشي على خطى الشيخ علي باوزير ومواقفه المشرفة في حل مشاكل المديرية وكان آخرها مشكلة أهالي منطقة عبدالله غريب ، ولا أنسى تشجيع الشيخ لي في طلبي للعلم و دعوة الناس للخير ، وله الفضل بعد الله في اختيار تخصصي الدراسي و دراستي الجامعية ، وايضا أخبرته أني توجهت للإعلام الذي أحببته منذ طفولتي فقال لي أتابع منشوراتك ، فقلت له أني على استعداد لأي خدمة في مجال الاعلام وودعته على أمل اللقاء به ، ولكن لم يكتب لي لقائه مرة اخرى  .

درس رحمه الله على يد الشيخ مقبل هادي الوداعي رحمه الله في معهدا بصعدة بضع سنين ، بعدها هرب من الحكم الشمولي في جنوب اليمن ، ولما حصلت الوحدة بين شطري اليمن رجع الى بلده ، وعقد بها دروسا في جملة من العلوم المختلفة ، ومكث بها نحوا من سنتين ، تزوج فيها .

ثم سافر السعودية يتلقى العلم من الشيخ محمد صالح بن عثيمين بعنيزة نحو ثمان سنوات ، وحضر لسماحة الشيخ ابن باز بعض الدروس في الجامع الكبير بالرياض .

وعرف الشيخ خلال السنوات الماضية بمناهضته لبعض المنكرات والافكار المنتشرة في منطقته .

والشيخ علي باوزير هو شيخ سلفي امام مسجد معيان الشيخ وامام مصلى العيد في غيل باوزير بعد الشيخ عوض رحمه الله ، ويرأس مؤسسة الروضة الاجتماعية الخيرية ويحظى بقبول واسع لدى أغلب الأطراف في الغيل.

لقد خسرت غيل باوزير خلال العام الماضي ثلاثة من المشائخ وانطفأت المصابيح على غيلنا خاصة الخاصة و حضرموت خاصة و اليمن عامة وهم الشيخ سعيد برعية ( رحمه الله ) توفي في يوم الثلاثاء تاريخ 6 / 2 / 1434هـ الموافق 8 / 1 / 2013م و توفي السيد القاضي مصطفى بن محسن بن جعفر ( رحمه الله ) في ظهر يوم الإثنين غرة ربيع الأول 1434هـ الموافق 11 / فبراير 2013م ، وتوفي الشيخ المجاهد عوض بانجار ( رحمه الله ) في ظهر يوم الأحد في صنعاء ، تاريخ 26 / 5 / 1434هـ الموافق 7 / أبريل / 2013 م ، والآن تكسرت المصابيح بفقد الشيخ علي باوزير ( رحمه الله ) في يوم الاربعاء تاريخ ١٩ / ربيع ثاني / ١٤٣٥ الموافق ١٩ / فبراير / ٢٠١٤م ، ان فقد العلماء مصيبة عظيمة و رزية جليلة وفاجعة كبيرة ، نسأل الله له الرحمة والمغفرة و يسكنه الفردوس الاعلى ويجمعنا به و القارئين في الجنات ، ويلهم أهله وذويه الصبر والسلوان.

إن العين لتدمع وان القلب ليحزن ، وانا على فراقك لمحزونون ( إنا لله وإنا اليه راجعون ) ولا حول ولا قوة الا بالله العلي العظيم .

 بقلم : محمد سعيد باوزير 

إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص