لكَ الله يا حضرموت !

محافظة حضرموت من أهم المحافظات اليمنية حباها الله بخصائص ومميزات قلّ ما توجد في غيرها من المحافظات الأخرى؛ شواطئ جميلة، وبحار غنية بثرواتها السمكية، وأراضي واعدة تختزن في جوفها وفوقها ثروات هائلة زراعية ومعدنية ونفطية، ومن أهم هذه الثروات إنسانها الذي يتمتع بالطيبة والميول إلى الحياة المدنية والصدق والأمانة والتسامح والقدرة على الاندماج والتفاعل مع المجتمعات والشعوب الأخرى التي اضطرته الحياة إلى الهجرة إليها، حيث أسهم الحضرمي المهاجر في نهضة وتقدم هذه المجتمعات وبنائها، ولهم بصمات واضحة حتى اليوم في جنوب شرق آسيا، وفي بلدان القرن الإفريقي، والبلدان المطلة على المحيط الهندي، وفي دول الخليج والجزيرة العربية، وقدمت حضرموت كوادر وقيادات تتمتع بكفاءات عالية في مختلف المجالات السياسية والاقتصادية والعلمية والمالية والإدارية، والتي يشار إليها بالبنان في فترات تاريخية مختلفة.. وفي السنوات الأخيرة تعيش حضرموت ظروفاً حرجة ومقلقة للغاية أمنية وسياسية واقتصادية واجتماعية، حيث تتعرض تلك القيم التي ميزت الحضارمة منذ القدم للتدمير والامتحان، فصارت حضرموت تتصدر وكالات الأنباء المحلية والعالمية في الأحداث المخلة بالأمن وفي أعمال القتل والاغتيالات والسطو، بعد أن كانت يُضرب بها المثل في الأمن والاستقرار والهدوء، ومنذ عام 1994م والمصائب تتوالى عليها، حيث شهدت وتشهد عدد من مدنها اغتيالات لعدد من كوادرها الأمنية والعسكرية، وأعمال سطو بقوة السلاح على سيارات وأموال بعض المواطنين، وقد راح ضحية لهذه الاغتيالات قادة عسكريون وأمنيون كبار، مثَّل فقدانهم خسارة كبيرة على حضرموت وعلى البلاد بشكل عام، وقد زادت الأوضاع الأمنية سوءاً بعد ثورة الشباب فبراير 2011م وتشكيل حكومة الوفاق الوطني بسبب التجاذبات السياسية وحالة الانقسام التي عاشتها وتعيشها المؤسسة الأمنية والعسكرية، فلا يمر يوم إلا ونسمع عن حادثة قتل أو اغتيال هنا وهناك... جندي يفجر قنبلة يدوية في مكتب لصرف الرواتب، يُقتل ويقتل عدداً من زملائه الجنود، سقوط عدد من القتلى والجرحى بسبب خلاف على قطعة أرض، العثور على جثة مواطن مقتول في منطقة نائية، تعرض مواطنين للسطو المسلح ونهب ما معهم من أموال في مدينة سيئون في وضح النهار.. هذا هو حاصل في مدينة سيئون ناهيك عمّا يحصل في مدن أخرى من حضرموت؛ قتل حارس في مستشفى، السطو على محل للصرافة... كل هذه الأعمال والجرائم تهدد بانهيار سلطة الدولة وتلاشيها وانتشار الفوضى بشكل كبير مما يجعل المواطن يفقد ثقته في الدولة ومؤسساتها الأمنية والعسكرية بشكل عام والجميع مشغولون بمؤتمر الحوار الوطني وشكل الدولة؛ هل هي دولة اتحادية من إقليمين أو عدة أقاليم ؟ وموضوع العزل السياسي، والإقليم الشرقي والغربي في الوقت الذي تَغَرقُ المحافظة في الفوضى الأمنية وانتشار القتل في ظل عجز كامل للدولة ومؤسساتها الأمنية والعسكرية في وضع حد لهذه المعاناة ..

وما يؤلمني حقاً ويبعث على الأسى والحزن هو عجز المكونات السياسية والأحزاب في هذه المحافظة على الاتفاق على قاعدة مشتركة للتحرك لوضع حد لهذه المأساة ومطالبة السلطة المركزية بقوة لإجراء تغييرات حقيقية تلبي حاجة المواطنين في العيش حياة آمنة ومستقرة، وللأسف حتى أحزاب اللقاء المشترك هي الأخرى عاجزة ولا يتجاوز موقفها حدود التنديد والبيانات، ولم ترتق هذه المواقف إلى مستوى الفعل الثوري الذي يأمله المواطنون في هذه المحافظة منها، كتعليق نشاطها في المجالس المحلية وأية مؤسسات أخرى كمجلس النواب وغيرها، بل والخروج في مسيرات احتجاجية كما هو حاصل في بعض المحافظات احتجاجاً على تردي الأوضاع الأمنية والخدماتية والمطالبة بالتغيير، وإزاء هذه الأوضاع المقلقة التي تعيشها المحافظة وعدم وجود بادرة للتغيير لا نملك إلا أن نقول : (لك الله يا حضرموت !) ..

 بقلم الأستاذ : فرج عوض طاحس

إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص