حضرموت اليوم / المكلا / استطلاع : أحمد عمر باحمادي:
صناعة الحياة بمفهومها الشامل لا تتم إلا وفق كتاب الله عز وجل، فهو الدستور الذي أنزله الله تعالى ليبين للبشرية طريق السعادة والرشاد ويدلهم على خيري الدنيا والآخرة. ولما كانت الفتاة الحضرمية يُعهد إليها إنشاء جيل فريد، فقد بات من الأولى أن تُربى على مائدة القرآن والسنة، وتنهل من معينهما الصافي حتى تصبح أماً صالحة، ومعلمة فاضلة ومربية شريفة تنتهج منهج الوسطية والاعتدال لتقتدي بها أجيال باتت تائهة في بحور هائجة متلاطمة من الأهواء والفتن .
استشعاراً للنقص الملحوظ في تخصصات القرآن الكريم وعلومه بين صفوف الفتيات اللاتي يرغبن بالتدريس مستقبلاً في ذلك المجال، تمّ في مستهل العام الدراسي 2012م / 2013م بالمكلا افتتاح قسم للطالبات بالكلية العليا للقرآن الكريم، وبقدر ما كانت الخطوة جريئة وهامة فقد كان الإقبال نوعياً وطيباً وسارت الدراسة على منوال حسن، وانخرطت الفتاة الحضرمية من شتى المناطق في تخصص لا شك سيعود ـ مستقبلاً بإذن الله ـ بالنفع على المجتمع . وتقديراً للجهد والتضحية التي بذلنها بناتنا في الانضمام لهذه الكلية أحببنا أن نستقصي الصورة عن كثب، ونتعرف على مشاعرهن وآرائهن حول انضمامهن إلى هذا الصرح التعليمي الذي يُعدُّ جديداً بين مؤسساتنا التعليمية فكان حصيلتنا هذا الاستطلاع الذي بين أيديكم..
انطباعات البداية :
تشير الطالبة ( أروى باسيف ) أن الانطباع الذي اعتراها عند بداية الالتحاق بالكلية بالقول: " كنتُ متلهفة كثيراً بافتتاح الكلية "، ولم يكن تلهفها من فراغ إذ واصلت القول: " تلهفي أنني كنت أسعى لتحقيق هدفي في دراسة القرآن الكريم" وبنفس اللهفة والشوق شاركتها الطالبة ( نور فتيني ) التي قالت كذلك: " كنت في لهفة عند دخولي الكلية العليا للقرآن الكريم ". بينما لم تخفِ الطالبة تفاجئها بعدم أقسام كثيرة بالكلية فصرحت بالقول:" كان انطباعي أن الجامعة سوف تحقق لي هدفي بدخول القسم الذي أرغبه، ولكنني تفاجأت بعدم الأقسام إنما قسم واحد فقط"، وبالرغم من أن الكلية تحتوي على ثلاثة أقسام هي قسم القراءات وقسم التفسير وقسم الدراسات القرآنية إلا أن الكلية بدأت بافتتاح قسم واحد في مستهل مشوارها وهو قسم الدراسات القرآنية، وهو ذات القسم الذي كان الإقبال عليه كبيراً ومميزاً وفضلته معظم الطالبات .
وبمثل المشاعر السابقة أبدت بقية الطالبات انطباعاتهن إذ أوضحن أن افتتاح الكلية قد أوجد لديهن بغيتهن التي طالما بحثن عنها، والمتمثلة بحفظ القرآن الكريم وتلاوته تلاوة صحيحة والنهل من العلوم القرآنية ذات الصلة بكتاب الله تعالى.
السؤال الذي طرحناه على الطالبات الملتحقات مع احترامنا بالطبع للجامعات الأخرى والكليات الحكومية والأهلية، بأنه هل من فرق بين الدراسة في هذه الكلية ( الكلية العليا للقرآن الكريم ) وبين الدراسة في جامعة أخرى وبتخصصات مغايرة، فأجابت الطالبة ( بلقيس باضريس ) بالقول: " بالطبع هناك فرق، فكل واحدة منا تريد تحقيق هدف معين وتختار الجامعة على حسب الهدف الذي تريد تحقيقه، إضافة إلى أن الكلية تمتاز بخصوصيتها للبنات، وفيها مراعاة لآراء الطالبات في طرح ما يعمل على تحسين مستوى الدراسة في الكلية نحو الأفضل"، ومثلما أجابت بالإيجاب فقد لفتت الطالبة ( مطيعة الدقيل ) بأن " الكلية التي تعطي إجازة في حفظ القرآن الكريم، وهذا امتياز لم نجده في جامعة أخرى مما يوجد في محيطنا "، وما أجمل ما قالته الطالبة ( أروى باسيف ) عن الفرق بين الدراستين بالقول:" بالتأكيد هناك فرق، فنحن في الكلية نعيش دوماً في رياض الجنة، وتحفنا ملائكة الرحمن، ووقتنا فيها عبادة ".
امتيازات ومهارات :
وعن الامتيازات والإيجابيات والمهارات التي تحصلت عليها الطالبات خلال الدراسة بالكلية العليا للقرآن الكريم أجابت الطالبة ( نجاة العماري ) بأن أهمها " إقامة الدورات العلمية الخاصة بالبنات ووجود المدرسين المتخصصين"، وتضيف الطالبة ( هناء جوبان ) إلى قائمة الامتيازات والإيجابيات: " القاعات المجهزة بالوسائل الحديثة، وإقامة حلقات لحفظ القرآن"، وتواصل الحديث الطالبة باسيف بأن :" الامتيازات والإيجابيات أن الدراسة مجانية لا رسوم عليها، وأن المدرسون متقنون لفنونهم، إضافة إلى أن الطاقم الإداري نسوي، وأن صوت الطالبة مسموع لدى الإدارة في أغلب الأوقات "، أما الطالبة ( مطيعة الدقيل ) فقالت عن الإيجابيات في الكلية: " أن الكلية تهتم بما يؤهل الطالبة أن تكون داعية ناجحة مؤثرة من خلال إقامة عدد من الدورات التثقيفية والعلمية في مجال التنمية البشرية، كما أن الكلية تمنح الطالبات أوقاتاً ترويحية لتعزيز أواصر المحبة والألفة بينهن، ولكسر الرتابة التي يمكن أن تعتريهن جراء التعليم المتواصل فيتم تنظيم يوم مفتوح وتنظيم الإفطارات الجماعية" وعن المهارات المكتسبة أوضحت الدقيل أنها اكتسبت مهارة إلقاء الخواطر، أما الطالبة بلقيس فقالت أنها اكتسبت مهارات جديدة منها كيفية الإلقاء ومهارة الكتابة والخط بالإضافة إلى عدد من المعرف الجديدة .
لا رسوم عند التسجيل .. والمواصلات بالتشارك :
وبخصوص رسوم الالتحاق وهل يُطلب من الطالبة دفعها وعن كيفية مواجهة تكاليف المواصلات خاصة للطالبات المتنقلات من مناطق نائية إلى المكلا، فقد أشارت كل الطالبات أن الكلية لم تطلب منهم دفع أية رسوم عند الالتحاق والتسجيل بها، لأن الرسوم مجانية، وفيما يخص المواصلات فإن الكلية تدفع ( 50 % ) من تكلفة المواصلات شهرياً والنصف الآخر تدفعها الطالبة، ومع أن في الأمر تخفيف على الطالبات إلا أنهن يأملن أن تتكفل الكلية في قادم الأيام بالتكاليف كلها لما تمثله تكلفة المواصلات من صعوبات ومشقة على الطالبات محدودات الدخل واللاتي يعانين من ظروف معيشية صعبة، وقد أوضحت بعض الطالبات أن تلك التكاليف بجانب شراء كتب المنهج قد مثل صعوبة بالغة عليهن.
شهادة معتمدة .. وتعليم اللغة الإنجليزية والحاسوب :
وحتى نستجلي الصورة أكثر عن الامتيازات والتسهيلات الممنوحة للطالبات المنضمات للكلية فإن إدارة الكلية ممثلة بـ ( الدكتورة فتيحة محمد العربي ) وكيلة فرع الكلية قد أوضحت في مقابلة صحفية سابقة وكذا في أدبيات الكلية الموضحة بنشرات التعريف " أن الكلية تمنح شهادة الإجازة العامة في حفظ القرآن الكريم للخريجات، وهذه الشهادة هي تمنح بموجبها درجة البكالوريوس، وهي شهادة معتمدة من وزارة التعليم العالي والبحث العلمي، ومن امتيازات الدراسة في الكلية تخريج مدرسات للقرآن الكريم والعلوم الإسلامية في التعليم العام والثانوي متخصصات في هذا المجال" كما أكدت الوكيلة أن الدراسة في الكلية مجانية إذ لا تدفع الطالبة أي رسوم للولوج أو الدخول إلى قسم الطالبات في الكلية، وأن الكلية تساعد الطالبات في رسوم المواصلات بتقديم نسبة معينة لسد رسوم المواصلات، ونجد في الكلية العليا للقرآن الكريم كفاءات علمية متخصصة نسائية ورجالية بالإضافة إلى أن الإدارة إدارة نسائية فقط، أيضاً مما تقدمه الكلية من امتيازات لتدريس اللغة الإنجليزية ودورات في الحاسوب ودورات تأهيلية وتدريسية في مختلف المجالات، منها دورات في القواعد النحوية الأساسية نظراً لوجود بعض الطالبات اللاتي لديهن ضعف في وقصور في مادة النحو لسد الضعف في هذا الباب، ودورات في القاعدة النورانية بالإضافة إلى دورات أخرى.
ومما تهتم به الكلية كذلك تنفيذها للكثير من الأنشطة المتنوعة على مدار العام، ومنها ما يهدف للارتقاء بالجانب الدعوي ـ كما بينت وكيلة الفرع ـ كالخواطر الدعوية والنشرات الدعوية وإصدار المجلات الحائطية، ومنها ما يهدف إلى الارتقاء بالجانب المهاري كدورات الحاسوب والدورات التأهيلية في القواعد النحوية، ومحاضرات التنمية البشرية، ومن الأنشطة التي تهدف للارتقاء بالجانب المعرفي الثقافي كالمسابقات الثقافية وتنظيم أيام ثقافية، أيضاً مسابقة أفضل بحث إلى جانب مسابقات إبداعية في الشعر والقصة والخاطرة الأدبية والمقالة، ومنها ما يصب في إذكاء الجانب الأخوي الاجتماعي كورشات العمل، وزيارات المستشفيات، وزيارة الطالبات المريضات، والإفطارات والرحلات الترفيهية، ومنها ما يهدف بالجانب الإعلامي الترويجي والدعائي عبر الزيارات لثانويات البنات للتعريف بالكلية العليا للقرآن الكريم .
أمنيات كبيرة .. وطموحات بحجم الوطن :
سألنا الطالبات: ماذا ترجو كل واحدة منكن في المستقبل وما تحب أن تصير إليه بعد التخرج، فأجابت الطالبة ( بلقيس باضريس ) :" بعد التخرج أتمنى أن أواصل دراساتي العليا، وأن أطبّق كل ما تعلمته في دراستي في حياتي وفي تعاملاتي مع الآخرين، وأكون جديرة بشهادة الكلية العليا للقرآن الكريم، وأن أكون إنسانة مميزة يرضى الله عنها" وبرجاء إكمال الدراسات العليا تمنت الطالبة ( أروى باسيف ) أن تتخصص في مجال القرآن الكريم والقراءات والتجويد والتفسير وأن تكمل الدراسة خارج اليمن . الطالبة ( هناء جوبان ) تمنت أن تهدي عصارة جهدها للآخرين من أبناء الوطن العظيم فأبدت أمنياتها " بأن أكون داعية ومحفظة تخدم أمتها". وتشاطرها نفس الهدف العظيم الطالبة ( مطيعة الدقيل ) بالقول:" أرجو أن أكون داعية للخير فإن مجتمعنا يفتقر للداعيات الأكاديميات، وأن أنشر أمور الدين بالأفعال والأقوال، وأن أسعى لإعادة مجد الحضارة الإسلامية بالتعاون جميعاً لدفع الجهل" .
"أرجو أن أكون مدرّسة في هذا المكان العظيم" تقول الطالبة نور فتيني، ولعل حبها وعشقها لهذا الصرح الذي تنهل منه شتى العلوم الإسلامية لسنوات أربع جعلها تتمنى مستقبلاً أن تصير فيه مدرّسة لتعطي مقابل ما أخذت. أما الطالبة ( نجاة العماري ) فرَجَت مستقبلاً " أن تكون حافظة للقرآن ومجازة فيه بالسند المتصل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأن تفيد غيرها بالعلم الشرعي، بعد أن تتفقه في أمور دينها وتفهم القرآن فهماً صحيحاً في تفسيره ومعانيه ومعرفة أسراره ".
ما أعظمها من أمنيات تلك التي خطتها أنامل فتياتنا الحضرميات، وهي إن دلت على شيء فإنما تدل على مدى الوعي والإدراك الذي حملته الفتاة الحضرمية، واستشعارها لضرورة المشاركة في نهضة وطنها واستيعابها أن النهضة لا تقوم إلا على جناحين هما الرجل والمرأة وأنه آن للمجتمع أن يطير بجناحيه بعد ركود دام سنوات وسنوات.
هل نحن بحاجة إليهن كمعلمات ؟
قد يتبادر السؤال إلى ذهن أي شخص؛ هل نحن بحاجة إلى من يعلم القرآن الكريم في مؤسساتنا التعليمية بمختلف مراحلها، باعتقادي أن الإجابة ستكون أجلى ما تكون إن ألقينا نظرة واقعية لنرى حجم التجاهل من الجهات المختصة إضافة إلى ضعف من يتولى تدريس هذه المواد الهامة، فالكثير من المدرسين لا يتمتعون بالتأهيل والقدرات الكافية من حيث الإلمام بالأمور الشرعية والفقهية والتمكن في تلاوة القرآن الكريم بشكل صحيح، حتى رأينا الكثير من أبنائنا الطلاب يتم تلقينهم القراءة الخاطئة والتلاوة المنقوصة وإعطاؤهم المعلومات المغلوطة التي يكون سببها الرئيس عدم إلمام المدرس لأبجديات مادته التي يدرسها، بل ربما لا تكون المادة نفسها هي تخصصه، وربما كابر بعضهم عن الاستزادة من العلم أو سؤال الآخرين واستخف بعقول الطلاب الذين ينقلون إلى أهاليهم ما يحدث معهم في قاعات الدرس أولاً بأول خاصة فئة البنات التي يهتممن بالدراسة على نحو أفضل من الطلاب، ومن ناحية أخرى فعمليات الفصل بين الأولاد والبنات وتخصيص مدارس خاصة بالبنات قد أوجد الحاجة الملحة للمدرسات وللعنصر النسوي بالأخص في كافة التخصصات، ولعل أهمها مواد القرآن الكريم والتربية الإسلامية واللغة العربية وهو ما يصب في صميم الهدف في إخراج مدرسات ذات كفاءة لتدريس تلك المواد، وسد الثغرة الناقصة واستكمال الفراغ الحاصل في الميدان التعليمي في هذا الجانب الحيوي، فمؤسساتنا اليوم ومن نظرة واقعية تقبل الجدل والمماراة في أمس الحاجة إلى وجود العالم والعالمة الحافظة لكتاب الله تعالى المتقنة لتلاوته الملمّة بالعلوم الإسلامية، والقادرة على نقل المهارات المتعلقة بتعليم القرآن الكريم وعلومه والمشاركة مع بقية التخصصات الأخرى في تحقيق التنمية الشاملة والدفع بمخرجات تعليمية واعية يعول عليها إحداث التغيير في الأمة والوطن .
الفتاة الحضرمية .. ستغير الواقع إن استفدنا من طاقتها :
قد يستهوي البعض أن يحكم بتعجل وبظلم أن الدعوة إلى تعليم الفتاة والارتقاء بها هو دعوة لتمردها على المجتمع وخروجها عن الأعراف والتقاليد، وبقدر تهافت هذا المفهوم المعلول الذي تم الرد عليه من قبل الكثير من العلماء والمفكرين على طول مسيرة التاريخ الإسلامي، فإن الحاجة تبدوا ماسة لأن نفهم الدين بشكل وسطي دون تشدد أو تنطع، فالحضارمة ـ ولله الحمد ـ قد فهموا هذا المقصد العظيم والتزموا خط الوسطية ونشروه في كل بقعة من بقاع العالم، ونحن اليوم نرى أن تعليم الفتاة في حضرموت قد قفز قفزات نوعية مشهود لها بالخير والريادة، وقطع أشواطاً ومراحل طيبة وذات أهمية كبيرة، فالفتاة الحضرمية الطموحة قد انخرطت في شتى التخصصات الدراسية وانتظمت لدراسة مختلف المجالات التعليمية، بعد ما كانت حكراً على الذكور دون الإناث، فرأيناها تدرس وتمتهن الطب والهندسة والعلوم الإنسانية والآداب والإدارة والحاسوب والعلوم القرآنية والإسلامية لتصنع لوحة زاهية تزين صفحة الوطن الحضرمي، وتنبئ عن نهضة قادمة بإذن الله تعالى تشارك فيها هذه الفتاة الحديدة الطموح والهمة بفعالية ونشاط . المهم أن نعمل جميعاً على الاستفادة من هذه الطاقات الجبارة، واستغلالها بشكل إيجابي يعود بالخير والصلاح على الجميع .