إن لكل قضية رجال آمنوا بها، ومن أجلها يضحون بالغالي والنفيس بكل فخر واعتزاز، ولكن هناك تضحيات شاذة لا تشرف أهلها لو كانوا يعقلون ، إنها تضحيات بائعي القات بحضرموت !!..
يقول لي البعض دائماً بسذاجة إنك مركز على مسالة القات وكأن حضرموت لا تعاني إلاّ من القات.. وأرد عليهم وأقول: أن القات عدو حضرموت الأول ، ولا توجد مصيبة ولا نصب أو احتيال إلاّ ووراءه القات ، والقات يهدم قيم وأخلاق وطاقات أبناءنا ، وماذا أغلى عندنا من قيمنا وأخلاقنا وفلذات أكبادنا ؟! ، وماذا أيضاً ننتظر من مجتمع ُهدمت قيمه وأخلاقه وطاقات شبابه؟! .
إن لكل مجتمع خصائصه وثقافته التي تميزه عن المجتمعات الأخرى ويفاخر بها إذا جاءت الأمم تفاخر بخصائصها الطيبة .. وإن ما جعلني أن اكتب هذا المقال ، هو أنني أعرف شاباً حضرمياً يمتلك سيارة ويقوم يومياً ( فجراً ) بنقل القات من منطقة بن عيفان ( وكر كل المصائب !! ) الى شرق مدينة سيؤن ولساعات محدودة فقط ويمشي بسرعة جنونية - كبقية سيارات القات - وُيدفع له أجرة مغرية ، ولو أجّر سيارته في الأعمال الطيبة مثل بقية الناس لما حصل على ربع ، بالفعل إن العمل بتجارة القات مغري وكأن القات مادة مباركة مدعومة من قبل كل الحكومات المتعاقبة على اليمن!!
إنك ترى باعة القات بحضرموت يتحملون عناء السفر الطويل ويركبون الصعاب، كي يوصلوا هذه الشجرة بطراوتها إلى المناطق النائية بحضرموت يومياً ومنها مناطق صحراء حضرموت الشمالية الشرقية، التي لا يزيد عدد رجال بعض هذه المناطق عن بضع عشرات .. يجلس هؤلاء الباعة الأشاوس ويسكنون في ( ِعشِّة ) لا تناسب حتى الحيوان .. يضيئونها بالشموع ليلاً ، ومنها يصِّرفون بضاعتهم بطيبة نفس وبأسعار طيبة أيضاً !.. يصبرون على حر الصحراء وبردها ، كم عدد زبائنهم وكم هو دخلهم اليومي ؟!.. وهل يغطي مصروفاتهم وتكلفة مواصلاتهم ومتطلبات أسرهم ؟!، إن المسألة ليست ربحاً أو خسارة كما يفهما علماء الاقتصاد ، ولكنها أعمق من هذا، .. إنها تضحيات فريدة تفوق تضحياتهم لوطنهم ، لأن الهدف عند هؤلاء أسمى من الربح ، ويوحي لنا وكأن لسان حال هؤلاء الباعة يردد بحضرموت ما قاله إبليس لرب العالمين {لأغوينهم أجمعين}.
نرى وقت الحرب والأزمات.. تنقطع المشتقات النفطية بل وبعض المواد الغذائية عن تلك المناطق النائية، إلاّ أن القات لم ينقطع ولن ينقطع عنها يوماً وكأنه من ضروريات الحياة ، أو إمداد حربي وجب إيصاله ولو كانت التضحية غالية .. حياكم الله يا أبطال القات.. جئتم لإفسادنا ، وللأسف وجدتم أنصاراً لكم بحضرموت، حسب ما خُطط لكم من قبل الكبار الذين استطاعوا أن يجعلوا من صفات كل مسؤل حضرمي { من رواد جلسات القات }، كما جعلوا المال العام والأراضي بحضرموت حلالاً محللة { والمتنفذون والموالون أقرب بالمعروف !!} حياكم الله يا أبطال ورموز الوحدة.. كنتم خير سفراء بحضرموت لهذه الوحدة الظالمة ، وهذا هو المطلوب إثباته حسب النظرية السائدة لدى لأغلبية.
وكما قال أحد الغيورين على حضرموت (( حضرموت تقدم الخيرات .. وتقدمون لها القات والبطرات )) ، فهل سنرى وحدةَ خيرٍ للحضارمة في ظل الفيدرالية؟ ، لاسيما ونحن نعلم جميعاً أن الدول المتقدمة وبعض الدول والعربية - التي تتخذ الفيدرالية وسيلة للحكم - تختلف أنظمتها الداخلية من ولاية لأخرى ومن إمارة لأخرى ومن إقليم لآخر ، حيث تعمل تلك الأنظمة على تسيير حياة الناس العامة داخل هذه الولايات أو الأقاليم أو الإمارات استجابة لاختلاف {خصوصية وطبيعة وتكوينات الناس الاجتماعية }من بلاد لأخرى ، ويعتبر هذا الاختلاف سنة ربا نية وجب الإذعان لها .
حتى أئمة الإسلام رضوان الله عليهم يحترم بعضهم بعضا ، فهذا الإمام الشافعي - رضوان الله عليه - عندما ذهب إلى منطقة {الإمام أبي حنيفة}وُقدِّم للصلاة لم يقنت في الصلاة وعندما سئل الشافعي أجاب {هذا تأدبا واحتراماًً لهذا المذهب }، وهل ينتظر الحضارمة والمهرة من حكومتهم المركزية أن تحترم خصوصيتهم وتأتي بسفراء آخرين ؟!! ، وهل ستعمل قيادة إقليم حضرموت على إصدار قوانين تنظم على الأقل تعاطي القات على طريق منعه بحضرموت والمهرة لاستعادة الخصوصية ؟!، أم أنه { أضغاث أحلام } وعلى أبناء حضرموت والمهرة الاقتداء بنخبتهم السياسية ( التي صُنعت بعناية ) ولا خير فيهم إن لم يقتدوا!! .. أو على الأقلية أن تستجيب للأغلبية اليمنية الساحقة حتى ولو سحقت قيمها وثقافتها وخصوصيتها !!! ...
بقلم الاستاذ : سعيد جمعان بن زيلع