المكلا .. تأملاتٌ في واقعِ الأحداث … الحلقة (1)

لا يختلفُ اثنان ، ولربما لا ينتطحُ كبشان ، على أنّ ما يجري في المكلا هو ضربٌ من الانفلاتِ الأمني المرتّبِ والمُعَدّ لهُ سَلَفاً ليمضيَ بنا وِفقَ سيناريو محدد ، يوصلُنا فيه (مُخْرِجٌ) قابعٌ خلف الستارِ وفي الكواليس إلى حيثُ يأملُ ويُريد!!، وقراءةٌ متأمّلةٌ في وقائعِ الأحداثِ وأركانِها واللاعبين الرئيسيّين على أرضيّةِ ملعبِها ستشي لنا بشيءٍ من ذلك:

  جيشٌ وأمنٌ مركزيٌّ منفلتُ العِقالِ ، خارجٌ عن السيطرةِ ، أصابعهُ تدوسُ على الزنادِ كما تدوس عجلاتُ مدرّعاتِه على ما تبقّى لدينا من كرامةٍ، تحكمُهُ الانفعالاتُ والحالاتُ النفسيّةُ لبعضِ أفرادِه ، فيُعلنُ حرباً بطائراتٍ ودبّاباتٍ ومدرّعاتٍ داخل مدينةٍ سكنيّة لأنّ بعضَ رصاصاتٍ توجّهت إلى بعض آلياتِه وجنودِه ، فكيف لو أُطلقت قذائفٌ عليه أو قنابل فلعلّه سيواجه ذلك بالصواريخِ والبوارجِ الحربيّة!!.

سُلطةٌ مركزيّة أدمنت دورَ المتفرّجِ و(الهدوووووووء) كحالِ رئيسِها ومُسمّاه ، فما عاد المراقبُ يستطيع التمييز ما إذا كان (الهدوءُ) حكمةً وذكاءاً أم عجزاً وغباءاً أم قصداً واعتداءاً؟! ، فرغمَ كلِّ ما يجري من أحداثٍ جِسامٍ لا تهتزّ عقيرةُ الرئيسِ أو وزيرِ دفاعِهِ أو وزيرِ داخليّتِه ليعيرنا ولو جزءاً من وقتِهِ أو حتى كلماتِه ناهيكَ عن الخفيفِ أو الشديدِ من قراراتِه ، ولم تشفع لنا لا القاعدةُ ولا الاغتيالاتُ ولا التفجيراتُ بأن يتفضلّوا علينا ولو بزيارةٍ خاطفةٍ لساعاتٍ يتفقّدوا فيها الحال والوضع لدينا علّها تُعطينا مؤشراً على أننا لا نزال جزءاً من هذا الوطنِ المنكوب ، ولعلّنا لو كنّا دولةً مُجاورة لبعث لنا الرئيسُ (الهادي) برقيّةَ عزاءٍ ومواساةٍ فيما أصابنا!!.

سلطةٌ محليّةٌ تائهةٌ غائبةٌ أو مغيّبةٌ عن وقائِعِ الأحداث ، لربما هي جزءٌ من هذا السيناريو أو أنها خارج التغطيةِ تماماً مما يجري ويحصل، فهي لا تدري بما يحصل ولربما تدري، فهي تُبدي انزعاجَها واستياءها على استحياء، وهي في ذات الوقت السلطة الحاكمة هنا، ورئيسُها هو رئيسُ اللجنةِ الأمنيّةِ بالمحافظةِ المنكوبة، تجتهدُ في إثباتِ أنّ الوضعَ على أحسنِ ما يُرام ، افتتاحات واحتفالات وزيارات واجتماعات ومطالبةٌ للموظفين بالالتزامِ بالدوامِ تحت عَزفِ الرصاص وتغريدِ المدافع ، وكأنّنا في قمّةِ الأمنِ والاستقرار والانبساط ، وأثبتت فشلها في الشفافيّة والصراحةِ مع مواطنيها الذين تُصرُّ على إبقائِهم في حالةٍ من التعتيمِ والجهلِ بما يجري من حولِهم ، فلا توضيحَ ولا كشفَ للحقائقِ ونتائجِ عشراتٍ من لجانِ التحقيق التي شكّلتها في كثيرٍ من القضايا ، وحتى إن كان عُذراً لها أنّها حقاً لا تدري!!، فحينها يصدقُ عليها قولُ الشاعرِ:

(إن كنتَ لا تدري فتلكَ مُصيبةٌ *** وإن كنتَ تدري فالمصيبةُ أعظمُ) !!.

أمنٌ عامٌ كالكسيحِ الذي يُحاوِلُ إنقاذَ غريقٍ، برغم كُلّ الجهودِ المخلصة التي قامت بها ولا تزال تقومُ بها بعضُ القياداتِ المُخلصةِ هنا وهُناك وبجهودٍ ذاتيّة ودوافعَ وطنيّة، إلّا أنّه قد تم إضعافُه خلالَ فترةٍ ليست بالقصيرةِ من الزمن أفراداً وتجهيزاً وتأهيلاً وتطويراً، وحينما بِتنا بحاجتِه، أصبح ينطبقُ عليه المثلُ العاميُّ (بغيتك يا عبدالمعين تعينّا، لقيتك يا عبدالمعين بغيت عون) أو كما قال صاحب المثل !!!.

مجموعاتٌ مسلّحةٌ من شبابٍ لا يعي عواقبَ ما يفعل، ولا يُدركُ مآلاتِ الأمورِ وتبِعاتِها، ولعلّهُ يدري أو لا يدري أنّهُ أصبح جزءاً مهمّاً لتنفيذِ ما يُريده (المخرجُ) في هذا الفيلم الشيطاني الذي زعزعَ أمنَ واستقرارَ مدينةٍ لطالما كانت سِلماً وأمناً وسلاماً على أهلِها ومن يرتادها من المحبين لها، مجموعةٌ منهم شوّهوا مظهرَها المدنيّ الحضاريّ بممارساتهم الخاطئة التي يصلُ بعضٌ منها إلى حدّ التعدّي والإجرامِ والتعطيلِ لمصالحِ أبناءِ بلدتهم ومعيشتهم والتعدّي عليهم مع أنّهم مثلهم يتقاسمونَ معهم ذاتِ الظُلمِ والمرارةِ والمُعاناة، وسمحوا بذلكَ لكلِّ من يريد أن يعتدي ويسرق وينهب أن يدخلَ من ذات الباب وذاتِ المبرر، ومجموعاتٌ أخرى منهم مُخلصة رأت أن هذا هو الطريق الصحيح فمضت فيهِ بغيرِ وعيٍ وبنيّة خدمةِ البلاد ورفعِ الظلمِ عن الناس، لكنّهم اضرّوا أنفسَهم وأهلَهم ومجتمعَهم وهم يَحسبونَ أنّهم يُحسِنونَ صُنعا !! .

كّلُّ هذه الأركان وهؤلاء اللاعبين أوجدوا المشهدَ الذي نحياهُ اليومَ ولا ندري متى ينجلي، ولكن نحنُ ايضاً كمجتمعٍ أفرادٌ وجماعات، مؤسسّاتٌ منظّماتٌ وأحزاب، رجالٌ ونساءٌ، شبابٌ وكهولٌ وعجائز، نحن أيضاً في ذاتِ الملعب، فما نحنُ صانعون ؟!!

يتبع ……

 بقلم الدكتور : عادل باحميد

إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص