تشهد المؤسستان العسكرية والأمنية مؤخرا تحركا لم يسبق له مثيل في تنفيذ مهام عسكرية وأمنية ضد مقاتلي القاعدة في شبوة وأبين .. مما أوجد تساؤلا عن الدلالات والرسائل التي يريد المحرك في هذا الوقت بالذات إيصالها لمن يهمه الأمر ؟ وهل يأتي تنفيذها في سياق برنامج زمني لمخطط مرسوم مسبقا للوصول إلى وضع جديد للبلاد والمنطقة ؟! أم هي لتحسين صورة الجيش والأمن عبر تنفيذ عمليات كبيرة بمهنية واحتراف وتجرد ؟ أم أن وراء ذلك أهدافا بعيدة المدى لن تتحقق إلاّ بإزالة كل العراقيل من أمامها ؟.
ولن يخلو الأمر من إحدى ثلاث :
1 ـ أنه وضع مؤقت ومرحلة آنية لن تلبث أن تزول .. وتأتي إثباتا لقوة الدولة فاعليتها وتنفيذا لبعض الأجندات المؤجلة ضمن التزامات سابقة , ولنيل رضا منظمات المجتمع الدولي وتحصيل ثقتهم ودعمهم المادي والعسكري .
2 ـ أنها مرحلة جادة لتأسيس وبناء دولة النظام والقانون ونحو تنفيذ حقيقي لمخرجات الحوار .. وهي هنا تبعث رسالتها لكل معرقل بما سيواجهه من القوة ان استمر في معارضته ومخالفته الإجماع اليمني العربي الدولي لحل أزمة البلاد .. وتسير في حملتها حسب دراسة سابقة مع شركاء الهدف , وتتلخص حول ترتيب مراكز القوات الغير نظامية على الساحة من حيث حجم خطورتها وحركة توسعها وقوة تسليحها وعلاقتها مع مكونات داخلية وخارجية .
ويدل على ذلك حين جعلت الهجوم على القاعدة البعيدة عن مراكز البلاد الهامة من أولويات مهامها العسكرية بينما توقفت عن التعامل عسكريا أمام الحوثي المحتشد على مداخل صنعاء !. مما يبين أن الهدف ليس إزالة خصم قريب وإنما هدفها استراتيجي بعيد المدى , ويرى الدارسون أن القضاء على القاعدة عامل مهم نحو تحقيقه .
3 ـ أنها تأتي وفق مخطط مشترك لقوى خفية متمكنة سكنت جسد النظام وتحكمت في قراراته , قوى تتعامل مع كل شيء أمامها باحترافية عالية ومهنية متقنة , ولا تغفل صغيرة ولا كبيرة ولا تترك شاردة ولا واردة إلاّ ووضعت لها حسابا , ولا تهمل احتمالا صغيرا ولا سببا بسيطا إلاّ وجعلت له حلا , قوى تسير اليوم وفق مخطط قد تم إعداده قديما بإحكام وتسير بخطوات منضبطة وآلية مترابطة نحو هدفها المتمثل في الانتقال من مرحلة رسم الخارطة السياسية والجغرافية في اليمن والمنطقة إلى مرحلة تحويل الرسم إلى حقيقة , وهي خارطة تمحو من رسمها أي كيان يحمل مشروعا إسلاميا للحكم , خارطة يكثر فيها رسم خطوط الحدود مؤكدة إلغاء حلم الخلافة الإسلامية الموحدة , خارطة يحتاج أهلها إلى حماية الأجنبي لهم وتواجد نفوذه معهم كي تستقر أمورهم , خارطة يعيش فيها المسلم وفق قوانين غير المسلمين بلا ضابط ولا حدود .
وللوصول إلى محطتهم الأخيرة لابد من إزاحة اكبر تجمع مترابط وأقوى تنظيم حركي منضبط .. ولكنها تدرك جيدا أنها كي تصل لذلك فلابد لها من التوقف عند محطات هامة , محطات تظن قوى الشر أنها ستكون مراكز إمداد ودعم لمن تخطط لإزاحتهم , ولذا فهي تقف عندها لتتعامل مع أهلها بما يليق بهم حتى يتم تحييد مشاركتهم أو إبطال فاعليتهم أو تدمير قوتهم .
وكان أول من حيدته هذه القوى الخفية هو المد الشعبي العارم المدافع عن دينه ووطنه وأصالته .. وهذا المد يكاد يكون معدوما اليوم , فقد أوصل الإعلام المؤثر عوام الناس إلى موقع خصومة أو حالة توجس وحياد في تعاملها مع هذا الكيان , كما استطاعت هذه القوى الخفية أن تجعل عددا من مكونات الوطن يقف منه موقف الخصم " كالحراك والحوثي " وربما نفذوا ـ بقصد أو بدونه ـ كثيرا من مهام هذه القوى نحو تحقيق أهدافها . وغاب عن الحوثي والحراك أن المواجهة قد تنتقل إليهما غدا ـ إن كانا حقا أصحاب ذاتية في القرار , وليسا تابعين في المسار ـ . وبعد ذلك انتقلت لتبطل فاعلية قوة القبيلة بمبدأ ( فرق تسد ) فقامت بتفكيك عرى الثقة فيما بينها , ثم إدخالها في صراع مذهبي وسياسي واجتماعي وغيرها من تنافس المراكز والاستحقاقات , وكانت حروب الحوثي المتواصلة مع أقوى القبائل في صعدة والجوف وعمران ومع بيت الأحمر محققة الضعف والتفكك ولعق الجراح .
وحتى لا يشغل التحالف الخفي شاغل من خلفه في نهاية مشواره لتطبيق الخارطة كان الوقوف حتميا عند المحطة الثالثة وتدمير قوة القاعدة .. فبرغم عدم توافق وموافقة الحركة الإسلامية لوسائل القاعدة ورغم الخلاف الفكري بينهم إلا أن هناك احتمالا ضعيفا تراه هذه القوى ولا يمكنها تجاهله , وهو أن يقف ( حمية ) مقاتلو القاعدة المخلصون والمتحررون من أي تبعية سياسية وأمنية في صف المتصدين لمخططهم الاستراتيجي , ولذا قرر محركو القطع مواجهتهم قبل يوم تحقيق الهدف الرئيس .
وأظنه نسخة من تجربة مصر وتنصيب سيسي اليمن وتقسيم الوطن .. وهو يوم ( أراه ) قادما لا محالة !. وعندها سيجد كياننا الحركي نفسه حاسرا بين المطرقة والسندان فإما أن يتشكل كما يحب حدادوه أو أن يتفتت تحت جمر نارهم ودك مطارقهم .
وقد جرب الأولى كثيرا فزادته ضعفا وحيرة , ولعل الثانية تعيد تشكيل جزيئاته فيزداد قوة وتماسكا وحكمة وبصيرة .
أي الاحتمالات أصح ؟ العلم الأكيد عند الله .. وإنما نحن نقرأ كتاب واقع أمسنا ويومنا وواقع من حولنا فنستخلص منه ( ظنا ) أحداث غدنا .
" والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون " .
بقلم : أبو الحسنين محسن معيض