متى مخرجات الحوار الوطني ستجد طريقها إلى التنفيذ؟!

شكلت ثورات الربيع العربي التي حدثت في عدد من البلدان العربية طوق نجاة، والأمل لكثير من الشباب والجماهير المحرومة للتخلص من القبضة الحديدية للأنظمة القمعية المستبدة الحاكمة في هذه البلدان، وقد تمكنت هذه الثورات بالفعل من إسقاط رؤوس الأنظمة الحاكمة في أكثر من بلد عربي، ولكن عمليات التغيير فيها تواجه مقاومة شرسة من بقايا الأنظمة الحاكمة القديمة ومن كل القوى التي تضررت مصالحها بفضل هذه الثورات.

حيث تعاني بلدان الربيع العربي ومواطنوها متاعب جمة، ويأتي في مقدمة هذه المتاعب الفلتان الأمني، وغياب سلطة الدولة الذي عكس نفسه على الكثير من الجوانب الحياتية للمواطن ولاسيما الجانب الاقتصادي والاجتماعي..

وفي اليمن مثل نجاح مؤتمر الحوار الوطني كثمرة من ثمرات الثورة الشبابية الذي اختتم أعماله في الخامس والعشرين من يناير بتوافق كل القوى السياسية على مخرجاته أملاً للجماهير في الخروج من المأزق السياسي الذي وضع النظام السابق البلاد فيه، وعلى الرغم من أن هذه المخرجات لم تستجب لكل تطلعات اليمنيين وخاصة الجنوبيين الذين يرى كثير منهم أن القضية الجنوبية لم تأخذ حقها من الأهمية والجدية في مؤتمر الحوار الوطني، بل كان للقوى التقليدية والمتنفذة في السلطة دورها في تحديد اتجاه حل هذه القضية بما يتفق ومصالحها هي لا غير.

ولكن رغم ذلك يمكن لهذه المخرجات أن تمثل أساساً مبدئياً للانتقال السلمي لبناء دولة يمنية اتحادية، وديمقراطية مدنية إذا وجدت النوايا الصادقة والجادة من قبل كل القوى السياسية مدعومة بجهود الشباب أصحاب المصلحة الحقيقية في التغيير.. ولكن للأسف الشديد تنفيذ مخرجات الحوار الوطني تسير ببطء شديد وانتقائية في الوقت الذي قوى الثورة المضادة نراها تعمل بخطوات سريعة وحثيثة لإجهاض هذه المخرجات ووأدها في مهدها، وذلك من خلال افتعال الأزمات والتوترات الأمنية والعسكرية في كل مكان، وفي الجنوب بشكل خاص، وتبذل جهوداً مكثفة لتأجج الشارع ضد الحكومة تمهيداً لإسقاطها، والعمل على عودة النظام القديم الذي ثار الشعب ضده.

إن تنفيذ مخرجات الحوار الوطني والتهيئة للانتقال السلمي للمرحلة التالية تتحمل مسئوليتها كل القوى التي شاركت في المؤتمر، وتقع المسئولية المباشرة بدرجة أساسية على السلطة السياسية والتنفيذية لكونهما تملكان القرار، ولكن كل ما نشاهده اليوم هو عقد الاجتماعات لشرح هذه المخرجات، نعم.. فهم هذه المخرجات مهم جداً، ولكن الأهم هي الترجمة العملية لهذه المخرجات، وهذا ما يريده الجميع الذين يرون أنها المخرج الآمن للخروج من الوضع المضطرب الذي تعيشه البلاد، وتقع المسئولية الأولى والأخيرة في تأخر تنفيذ هذه المخرجات على السلطة السياسية والتنفيذية اللتين نراهما تتلكآن في التنفيذ، وكل يحمل المسئولية الآخر، والبلاد تسير إلى المجهول؛ أزمة مشتقات نفطية حادة تهدد بتوقف الحياة والحركة، طلاب عجزوا عن الوصول إلى مدارسهم وكلياتهم، عمال وموظفون لم يتمكنوا من الوصول إلى مؤسساتهم، الحركة التجارية تكاد تتوقف، مزارعون زراعاتهم مهددة بالفناء، مستشفيات أغلقت أبوابها أمام المرضى،...، كل ذلك لانعدام مادة الديزل، فوضى أمنية عارمة، حروب بالوكالة هنا وهناك، فشل واضح في أداء السلطة السياسية والتنفيذية في حل مشكلات البلاد والعباد في ظل هذه الأوضاع المتأزمة والناس في شهر رمضان المبارك..

ماذا يتوقع أن يكون البديل، إما قيام ثورة جديدة، ولن تكون سلمية بل عنيفة، أو أن يكون البديل عودة النظام القديم، وبذلك تكون أحلام الشباب والثوار وتضحياتهم من أجل التغيير قد طارت في الهواء، وتعود البلاد إلى ما قبل ثورة فبراير 2011م. و(كأنك يا بو زيد ما غزوت)، ولاسيما وأن هناك جهوداً إقليمية ودولية تقوم بها بعض الدول لإعادة الأنظمة القديمة التي تم إسقاطها بثورات الربيع العربي بالتحالف والتنسيق مع بعض القيادات العسكرية المحسوبة على الأنظمة القديمة والتي لازالت تحتل مواقع قيادية في المؤسسة الأمنية والعسكرية في النظام الجديد، وقد بدأت ملامح هذا المشهد تظهر واضحة للعيان في كل من مصر وليبيا، وبالتأكيد ستجد هناك من سيرحب بعودة هذه الأنظمة وسيطبل لها أولئك المنافقون والانتهازيون الذين يتقنون لعب الأدوار في كل المراحل وكانوا سبباً في كل ما لحق بالأمة العربية من مآسي وهزائم طوال تاريخها المعاصر.

بقلم : أ. فرج طاحس

إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص