حضرموت اليوم / تريم / مراد صبيح:
بعد أن قضوا صوم شهر الصوم وودّعوه بأمل والتجاء صادق رافعين آيادي الضراعة إلى المولى عز وجل أن يتقبّل صيامهم وقيامهم، وجاءتهم ليلةُ عيد الفطر المبارك ويومها وشاركوا المسلمين في شرق الأرض وغربها هذا العيد وفرحته وابتهاجه، سعداء بتمام الصوم وأنْ بلغهم الرب جل وعلا هذا الشهر الفضيل، وصاموا بعدها معاً وامتثالاً لسنة النبي محمد صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم وهديه الستّ من شوال انطلاقا من قوله ((من صام رمضان واتبعه ستاً من شوال كان كمن صام الدهر )) فتلك التبعية والولاء مسلكٌ عهدته مدينة تريم حيث الغالب عند معظم الناس فيها كبارا وصغاراً صيامُ ستٍّ من شوال تِباعاً عقب عيد الفطر المبارك . ليكونوا بعد تمام صيام الست من شوال على موعد مع عيد آخر في يوم الثامن من شوال.
فمع إشراقة صباح يوم امس الاثنين توجه طلاب دار المصطفى وطلاب الدورة العشرين وبرفقة شيوخ وإدارة الدار ومدرسيه إلى مسجد الفتح (مسجد الإمام عبدالله بن علوي الحداد) بالحاوي وهناك كانت الانطلاقة والعواد العام والذي تحضره جموع غفيرة من أهالي مدينة تريم والمدن المجاورة لها حيث يجتمعون على سماع الأناشيد والوعظ وقراءة في بعض الكتب العلمية وتبادل التهاني والتبريكات، وبعده تتوجه الجموع إلى بعض بيوت أهل العلم والصلاح ومن تلك البيوت بيت آل بلفقيه حيث يتم الاجتماع في دار المقام، وكذا بيت آل بن شهاب حيث العلامة عبدالله بن محمد بن شهاب حفظه الله مهنئين لهم بالعيد ويشاركونهم هذه الفرحة والسعادة، وبعد ذلك يتوجه كلٌ منهم إلى زيارة أقاربه وأرحامه ويدخل عليهم السرور بالعيد ويهنئهم بها.
أما في عصر نفس اليوم فقد اجتمع طلاب دار المصطفى وطلاب الدورة العشرين وإدارة الدار وشيوخها والمدرسين فيها، وكذا جموع غفيرة من أهالي تريم وضواحيها والمدن المجاورة لها في العواد العام في بيت عميد دار المصطفى الحبيب العلامة عمر بن محمد بن حفيظ والذي يمتد وقت هذا العواد إلى قبيل المغرب، وترى البِشر والسرور مرتسماً في وجوه الحضور وسط فقرات متعددة ما بين إنشاد ووعظ وإرشاد وكذا أصوات السماع، وفي الجانب الآخر تتواجد فرقة الألعاب الشعبية التراثية (الشبواني) والتي يرددون فيها الأهازيج والأشعار العيدية وسط فرحة تملىء جنبات المكان يشارك فيها كبار السن مع الشباب والصغار مستبشرين وفرحين، ويكون ختام هذه العشية بدعوات وتضرعات من المشايخ والدعاة والكل يُؤمّن على دعواتهم سائلين الله عز وجل أن يعيد العيد عليهم وعلى الأمة الإسلامية بالأمن والأمان والسلام والطمأنينة.
وبعد صلاة العشاء توجه طلاب دار المصطفى وطلاب الدورة العشرين وجموع غفيرة أيضا إلى مسجد الإمام عمر المحضار حيث يتم فيه قراءة ما تيسر من كتاب الله عز وجل ومن ثم دعاء ختم القرآن وبعده جملة من الأناشيد والمدائح يؤديها مجموعة المنشدين من أسرة آل باحرمي المعروفين بجمال أصواتهم منذ عشرات السنين.
ليكون العيد في تريم له نكهته الخاصة وعلامته الفارقة والتي تميزه عن سائر المدن بل والدول الأخرى، وسط حبٍّ ووئام وتقارب، وبرامج مختلفة ومتنوعة على وفق الشرع والهدي النبوي أو ضمن دائرة المباحات، يجتمع في تكوينها ورسم ألوانها فئات الشعب بمختلف القبائل والمسميات، خلاصتُها تقريبُ الخلق إلى الخالق ما بين تلاوة للقرآن أو وعظ وإرشاد وإنشاد، أو ألعاب تراثية مباحة تمتزج بذكر الله وذكر رسوله الأكرم صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم أو دعوات مباركة ومقاصد سامية أسسها أرباب التقوى والصلاح منذ مئات السنين الماضية.
الجدير بالذكر أنه يتم بثّ جميع هذه الفعاليات والتزاورات والمعايدات عبر أثير أذاعة بث نور الإيمان من دار المصطفى بتريم وكذا موقعه الإلكتروني ليعم النفع للمحبين ومن يتعطشون للعيش ولو من بعيد وسط هذه الأجواء العيدية التريمية والروحانية العامرة بالخير والمسرات. أعادها الله علينا وعليكم وعلى الأمة الإٍسلامية سنيناً عديدة في أمن وسلام وازدهار وكل عام والجميع بخير.