اليمن .. أخطار تحول دون الوصول إلى طوق النجاة

حضرموت اليوم / متابعات / أحمد عمر باحمادي : نشرت مجلة المجتمع الكويتية الشهرية في عدديها لشهري يوليو وأغسطس الجاري تقريراً هاماً ومستفيضاً تكون من جزأين، وتحدث التقرير عن أبرز العوائق التي تمنع اليمن من الوصول إلى شاطئ النجاة، جاعلة من خطر جماعة الحوثيين هو الخطر الأكثر تحديقاً بها، ولأهمية المعلومات التي وردت في حلقتي التقرير نستعرض أهم ما جاء فيها من حقائق وأفكار تهم القارئ على مستوى الوطن . كما تشابهت دول «الربيع العربي»، ومنها اليمن، في وحدة ثورة شعوبها، وأهداف تلك الثورات في الانعتاق من الأنظمة الجائرة العائلية أو العسكرية التي ظلت جاثمة على خيرات ومقدرات تلك الشعوب، ومصادرة حقها في الحرية والحياة الكريمة.. تشابهت أيضاً في تساميها وترفُّعها عن إراقة الدماء لخصومها عبر وسائل حضارية سيخلدها التاريخ، وسائل مرتكزها السلمية كمنظومة أخلاقية حضارية. ذلك على مستوى التعامل مع الدكتاتوريات، وعلى مستوى الحفاظ على مكتسبات ومقدرات ومؤسسات تلك الدول، إلا أن الاستحقاقات لتلك الثورات اختلفت من بلد إلى آخر لأسباب عديدة داخلية، وأهمها الثورات (الانقلابات) المضادة بتحالفاتها، وخارجية وأهمها ما يمثله كل بلد من دول «الربيع العربي» من حيث الأهمية بالنسبة لمصالح الدول الشقيقة أو الصديقة. ففي اليمن، يتفق المجتمع الدولي ودول الجوار على أنه لا حل لاستحقاق الثورة الشعبية الشبابية السلمية والتي أسقطت النظام العائلي في اليمن (نظام علي عبدالله صالح) إلا أن يستقر اليمن؛ أرضاً وإنساناً، طبعاً ليس حباً في اليمن أو اليمنيين، ولكن لأهمية اليمن الإستراتيجية، وكذلك لقربه ومجاورته لبحيرات النفط في الخليج العربي أساس الحياة في الغرب، ولعل ما يعزز ذلك أن العديد من دول الخليج ممثلة بالعديد من ساستها ومفكريها وعقلائها كثيراً ما يرددون أن أمن اليمن من أمن الخليج. ولعل ما سبق هو جوهر وأبعاد طرح «المبادرة الخليجية» وآلياتها التنفيذية، كفرصة تاريخية للخروج باليمن من نفقه المظلم، وخصوصاً أنها برعاية أممية مستمرة، وقد أتت في ظروف عصيبة كطوق نجاة لتجنب الاحتراب الأهلي الذي كانت بوادره قائمة بيَّنة وعلى أشدها في عام 2011م بين الثورة الشعبية السلمية ونظام «علي عبدالله صالح». وترتكز «المبادرة الخليجية» وآلياتها التنفيذية على تسليم الرئيس «علي عبدالله صالح» السلطة لرئيس توافقي مقابل حصانة ضد الملاحقات القضائية له وللعديد من عائلته ومعاونيه، إضافة إلى التوافق السياسي بين الأطراف المتنازعة بما يحقق الحفاظ على وحدة اليمن وأمنه واستقراره، ويجنبه الانزلاق إلى الفوضى والعنف، وإزالة عناصر التوتر سياسياً وأمنياً، وإزالة كل أشكال الانتقام، وكذلك انعقاد مؤتمر حوار وطني شامل يفضي بمخرجاته إلى دولة مؤسسات تحافظ على وحدة اليمن وأمنه واستقراره، دولة تحقق طموحات الشعب اليمني في التغيير والإصلاح المنشود. والمتابع للشأن السياسي اليمني ومساراته يلحظ أنه منذ البدايات العملية الأولى لتنفيذ «المبادرة الخليجية» وآلياتها التنفيذية واقعاً على الأرض، يجد أن العراقيل ظهرت جلياً أمامها؛ فقد اصطدمت بواقع سياسي صلب له جذور عميقة وأذرع أخطبوطية موغلة في التملك، ومتشعبة في التحالفات القائمة على النفعية والقبيلة أسيرة لمشاريعها التي ورثتها منذ 33 عاماً. وتبلورت تلك العراقيل إلى الواقع الحياتي اليومي للإنسان اليمني، فهو يمضي من سيئ إلى أسوأ، ذلك على المستوى المعيشي؛ كانعدام المشتقات النفطية، وتخريب أنابيب النفط، وضرب أبراج الكهرباء.. وأما على المستوى السياسي والأمني ترى قوى الثورة الشعبية وأحزاب المشترك الموالية لها أن التدهور الأمني الذي تتسارع وتيرته يوماً بعد آخر، وأدى إلى إضعاف الدولة بشكل انعدم فيه الأمن والدولة؛ يعود إلى عوامل عديدة شكلت عائقاً خطيراً نحو التغيير المنشود والمؤمل بمخرجات الحوار الوطني، وتلك العوامل يمكن إيجازها في التالي: أولاً: الثورة المضادة: استغل الرئيس السابق الحصانة الممنوحة له في «المبادرة الخليجية»؛ حيث مازال ظاهراً في المشهد السياسي اليمني، فهو مازال يتزعم حزب «المؤتمر الشعبي العام»، ويقود ثورة مضادة استطاع من خلالها العبث بأمن اليمن؛ بهدف زعزعة وإسقاط التوافق القائم، والانتقام من الثورة الشعبية، وإسقاط «المبادرة الخليجية» عبر التحريض الجمعي ليصل الناس إلى المطالبة بعودة نظامه. وتعمل الثورة المضادة عبر تحالفات وأذرع أخطبوطية متشعبة جمعتها مصالح واحدة رغم تناقضات حادة في أجنداتها، وهي الأذرع التي تتولى عملية الإضرار بحياة المواطن مباشرة، وبالاقتصاد اليمني عامة، ففي نطاقها الجغرافي تقع حقول النفط والمحطة الكهربائية المركزية التي تغذي اليمن بأكمله بالطاقة الكهربائية، فهي تتولى عمليات تخريب واسعة ومستمرة، وقطع الطرق أمام قاطرات النفط التي تزود المدن اليمنية بالوقود. ومثال على ذلك، فإن أحداث الغضب يوم الأربعاء 11/6/2014م التي وصفتها اللجنة الأمنية العليا بـ«الأعمال التخريبية بهدف نشر الفوضى في العاصمة»، وهي الأحداث التي قامت فيها مجاميع غاضبة بقطع شوارع رئيسة، منها شارع «الستين» الذي يقع فيه منزل رئيس الجمهورية «عبدربه منصور هادي»، فقد نقل موقع الـ«بي بي سي» في خبر نشره عن أحداث تلك الفوضى تصريحات منسوبة لمسؤولين حكوميين، فقد اتهم وزير الكهرباء السابق صالح سميع، والمستشار السياسي لرئيس الحكومة علي الصراري، اتهما علناً ما وصفاها «بعصابات مسلحه بـتلقي أموال من الرئيس السابق «علي صالح»، وتنفيذ هجمات تخريبية منظمة ضد أبراج الكهرباء وأنابيب النفط، وافتعال أزمة الوقود، ودفع المخربين لقطع الطرقات واحتجاز ناقلات الوقود». ووسط تلك الأحداث، أُعلن عن إغلاق مكتب قناة «اليمن اليوم» الفضائية التابعة لعائلة الرئيس السابق «علي عبدالله صالح» من قبل الحرس الرئاسي، كما نزلت قوات من الحرس الرئاسي وأغلقت منطقة «السبعين»، وطوقت جامع الصالح؛ وهو من أضخم مساجد الوطن العربي وتحفة معمارية - شيده الرئيس السابق، وله فيه مكتب خاص يدير فيه الكثير من أعماله - وتديره قوات حرس تابعة له رفضت تسليم الجامع لقوات الحرس الرئاسي، وهناك تكهنات حول وجود مخازن أسلحة في المسجد وأنفاق موصلة إلى دار الرئاسة المجاور للجامع، وقد ظلت المنطقة محاصرة إلى أن انتهى الأمر باتفاق بتسليم جامع الصالح لوزارة الأوقاف ليصبح تحت إدارتها، وإضافة 90 جندياً من الحرس الرئاسي من ضمن حراسة الجامع. ثانياً: الحركة الحوثية المسلحة: تعرف الحركة الحوثية إيجازاً بأنها حركة مسلحة عقدية التوجه تقتفي خط «حزب الله» اللبناني فكراً وتنظيماً ومساراً، وقد تأسست في صعدة بداية تحت مسمى «تنظيم الشباب المؤمن». وقد أدى الرئيس السابق «علي صالح» دوراً رئيساً في تأسيس تلك الحركة؛ بهدف تنمية كيان يوجِد توازناً في مواجهة نفوذ الحركة الإسلامية في اليمن والحد من توسعها، وأيضاً للمعادلة بينها وبين التيار السلفي؛ وهو التيار الذي أسس معقلاً له في قلب صعدة، والمتمثل في مركز الشيخ مقبل بن هادي الوادعي، ولا يسع البسط هنا للحديث عن الحركة فهو متشعب جداً. ولكن فيما يخص موضوعنا، فبعد الثورة الشبابية الشعبية توسعت الحركة جداً جغرافياً، فخرج نفوذها من نطاق معقلها محافظة صعدة التي أصبحت بالكامل تحت السيادة الحوثية، بل وسُلمت لها العديد من العتاد الثقيل من المعسكرات في صعدة، ولعوامل عديدة؛ أهمها ضعف الدولة، واستغلال الحركة لأوضاع المرحلة الانتقالية، والمواجهات بين الثوار والنظام السابق، استمرت الحركة في توسيع نفوذها الذي بلغ مداه مؤخراً بإسقاط قبائل «حاشد» أقوى قبائل اليمن في قبضتها، وحاولت إسقاط محافظة الجوف الغنية بالنفط، كما قامت وعلى مرأى ومسمع من الدولة والجيش بحصار منطقة دماج لمدة عامين، انتهى الأمر بتهجير سكانها البالغ عددهم أكثر من 14 ألف نسمة، والاستيلاء على مركز دماج العلمي الذي أسسه الشيخ مقبل بن هادي الوادعي قبل أكثر من 30 عاماً. وزاد الأمر شراسة ورغبة في التوسع الجغرافي؛ بهدف الوصول إلى العاصمة صنعاء، وقد استماتت الحركة في ذلك ووصلت إلى خوض حرب مع قبائل «أرحب» المطلة على العاصمة، وبلغ الأمر ذروته بمهاجمة محافظة عمران التي تبعد عن العاصمة 60 كيلومتراً، وهي المحافظة التي فيها مواقع إستراتيجية وحيوية للجيش مطلة على مطار صنعاء الدولي، وعلى مداخل العاصمة نفسها، ففي 19 مايو الماضي وبعد حشد حركة الحوثي مقاتليها من صعدة وهمدان وحاشد وحرف سفيان ومناطق أخرى، خاضت الحركة مواجهات عنيفة مع الجيش وتحديداً «اللواء 310» المرابط في عمران، استخدمت فيها الأسلحة الثقيلة والدبابات، واستمات «اللواء 310» بقيادة اللواء حميد القشيبي في الدفاع عن عمران دون إمداد من وزارة الدفاع التي انشغلت بالمواجهات مع «تنظيم القاعدة» في المناطق الجنوبية، وبعد اشتداد المعارك واستيلاء الحوثيين على بعض المرافق الحكومية مثل السجن المركزي ومبنى الجوازات وتدمير العديد من المؤسسات الحكومية والمحال التجارية والمنازل والمدارس، تدخل الطيران الحربي لقصف مواقع الحوثيين وإيقاف تقدمهم يوم الأربعاء 4 يونيو 2014م، وقد تم إيقاف الحرب في عمران عبر اتفاق بين الطرفين رعاه وزير الدفاع اللواء الركن محمد ناصر أحمد. وبحسب تقرير لـ«مركز أبعاد للدراسات والبحوث»، فإن المواجهات في عمران بلغ عدد قتلاها ما يقارب 450 قتيلاً من الحوثيين وقوات الجيش، 400 منهم من المسلحين الحوثيين، و50 جندياً من قوات الأمن والجيش. ويرى العديد من المحللين والمراقبين للشأن الحوثي، أن الهدف المتسارع للحوثيين عسكرياً هو السيطرة على أكبر مساحة من الأرض عسكرياً كأمر واقع، بهدف التمكين للمشروع المذهبي والسلالي الخاص، وهو المشروع الذي يعد متناقضاً مع أهداف الثورة الشبابية السلمية ومخرجات الحوار الوطني التي خلاصتها قيام دولة مدنية تبسط نفوذها على كل أرجاء اليمن. ثالثاً: تنظيم القاعدة: منذ البدايات الأولى للتشكل الدولي لـ«تنظيم القاعدة» وإعلانه عن تشكيل الجبهة العالمية لقتال الصليبيين، تشكل «تنظيم القاعدة في اليمن»، ومثلت البلاد مرتكزاً مهماً يأوي إليه التنظيم، بل وينفذ عمليات نوعية مثل استهداف مقرات للجيش أو الأمن السياسي واغتيال قادة عسكريين في مختلف المحافظات اليمنية، ويتخذ التنظيم من محافظة «أبين» معقلاً لانطلاق نشاطاته. وبعد الثورة الشعبية الشبابية السلمية، تمدد نشاط «القاعدة» لعوامل عديدة وتحالفات نفعية هدفها استغلال ضعف الدولة وتحقيق مكاسب على الأرض، وقد استطاع التنظيم خلال فترة الثورة الشعبية السلمية واختلال الأمن تجميع صفوفه بشكل منظم ودقيق، وصارت محافظتا «أبين» و«شبوة» تُشكلان معاقل متعددة للتنظيم، بل وبسط نفوذه على مدن بأكملها تتبع محافظات «أبين»، و«حضرموت»، و«شبوة»، وإقامة محاكم إسلامية فيها إلا أن الدولة استعادت تلك المدن من التنظيم. ومنذ التشكيل الأول للتنظيم، والجيش اليمني يخوض معه معارك عنيفة، ولكن متقطعة، وتظل بين شد وجذب، وتعتبر الحملة التي شنها الجيش اليمني بداية مايو الماضي على معاقل التنظيم في محافظتي أبين، وشبوة من أضخم الحملات على الإطلاق. وكتكتيك حربي لتخفيف الضغط عليهم، نفذ التنظيم هجوماً نوعياً على مدينة سيئون في حضرموت، وهاجم مسلحوه قيادة المنطقة العسكرية الأولى، ومبنى الأمن القومي، والبنك المركزي، والمجمع الحكومي، ومبنى المطار، وحصلت في المدينة عمليات نهب واسعة لتلك المقار، وتم إحراق مكتب بريد سيئون. وفي 5 يونيو كشف الناطق باسم القوات المسلحة اليمنية العقيد سعد الفقيه عن أعداد القتلى والجرحى الذين سقطوا في الحملة العسكرية التي قادها الجيش ضد التنظيم، وأعلن عن مقتل ما لا يقل عن 500 عنصر من «القاعدة»، منهم 70% أجانب، وأسْر 37 آخرين، في حين استشهد نحو 40 جندياً، وأصيب 100 آخرون من الجيش. وأوضح أن المرحلة الثانية من الحملة ضد التنظيم لا تزال مستمرة، واصفاً إياها بمرحلة التصفية والمتابعة، وتستوعب وتشمل جميع محافظات الجمهورية. الجزء الثاني من التقرير : تحدثتُ في مقالة سابقة عن أن هناك أخطاراً تحُول دون وصول اليمن إلى طوق النجاة؛ ومنها «الحوثيون»، وتوقفتُ عند فقرة أن الحوثيين، وبحضور وزير الدفاع، توصلوا إلى عقد هدنة مع الدولة واتفاقية لوقف إطلاق النار في محافظة عمران. ولعل ما يجدر الإشارة إليه هنا أن الإستراتيجية التي يعتمدها الحوثي في حروبه التوسعية في اليمن ترتكز على أنه كلما اشتد عليه الخناق؛ لجأ إلى طلب الهدنة أو الصلح سواء مع الدولة أو مع القبائل التي خاض معها حروباً بعضها انتهت بانتصاراته كحروبه مع قبيلة «حاشد» أو حروبه مع قبائل في محافظة الجوف - الغنية بالنفط - أو قبائل «أرحب» المطلة على العاصمة صنعاء والتي مازالت إلى كتابة هذه المقالة. وقد كان يوم الثلاثاء الموافق 8/7/2014م يوماً دامياً بامتياز في محافظة عمران (تبعد عن العاصمة 50 كيلو متراً)، فقد استطاعت جماعة الحوثي بعد حصار المدينة لأشهر من اقتحامها بجحافل غفيرة من المسلحين القبليين، وسط مساندة لوجستية من قوات الأمن المركزي، وقوت الأمن العام المرابطة في المدينة، فقد سلمت تلك القوات مواقعها للحوثي دون أي مقاومة تذكر.. إضافة إلى تواطؤ قبلي من مشايخ محسوبة على حزب «المؤتمر الشعبي العام» (الحزب الحاكم سابقاً)، وموالية للرئيس السابق «علي عبدالله صالح»، ولم يكن ذلك الاقتحام وليد اللحظة، ولكنه أتى بعد مواجهات متدرجة استمرت ما يقارب 6 أشهر، حيث استمات الحوثيون في الاستيلاء على مواقع إستراتيجية للمدينة ممثلة في جبل المحشاش، وجبل ضينو الجميمة وغيرهما، وكانوا في كل مرة ينكسرون، وما يفسر لنا تلك الاستماتة هو أن تلك المواقع تطل على العاصمة وعلى مطارها الدولي. القشيبي.. ملاحم بطولية وقد سجلت قيادة «اللواء 310» المتمثلة في قائدها العميد حميد القشيبي والمرابطة في المدينة ملاحم بطولية في التصدي للزحف الحوثي التوسعي خلال تلك الأشهر، بل وحتى النهاية الدرامية التي انتهت بالغدر بالعميد القشيبي وقتله غيلة هو وولده والعديد من الضباط والجنود. وقبل اللحظات الأخيرة، وبعد صمود أسطوري لـ«اللواء 310» واستغاثات كانت لدى الجيش، وضعت خطة للبدء بعملية عسكرية واسعة لتطهير المدينة من مسلحي الحوثي، وقد تزامن ذلك مع الإعلان عن مجيء تعزيزات عسكرية استقرت في الجهة الجنوبية من المدينة، إضافة إلى امتناع اللواء القشيبي عن مغادرة قيادة اللواء حفاظاً على حياته من أي أخطار محدقة. اتفاق الغدر: وفي هذه الأثناء، اعتذر قائد اللواء عن العودة إلى صنعاء عبر طائرة تنقله إلى هناك، مؤكداً أنه لن يخون قسمه وشرفه العسكري، وأنه سوف يؤدي واجبه حتى آخر جندي لديه، بحسب تصريحاته لوسائل الإعلام، كما شُكلت لجنة رئاسية لحل النزاع وإنهاء الاقتتال، ضمت كلاً من رئيس الأركان العامة اللواء الركن أحمد الأشوال، ورئيس جهاز الأمن السياسي اللواء د. جلال الرويشان، ومدير دائرة شؤون الضباط بوزارة الدفاع العميد قائد العنسي، وصابر عبدالرحيم، كبير مستشاري جمال بن عمر، مبعوث الأمين العام للأمم المتحدة إلى اليمن، حيث عقدت اجتماعاً مع مندوبين من الحوثي، وهم: عبدالواحد أبو رأس، وحسين العزي، وعامر المراني، ومحمد الغيلي، ومحمد البخيتي، وبعد ساعات من الاجتماع خرجت اللجنة بالاتفاق على الآتي: 1- وقف إطلاق النار. 2- تهجير قوات اللواء المعسكر الرئيس. 3- تسليم الآليات إلى الشرطة العسكرية لفرض حمايتها حتى وصول اللواء البديل. 4- إنزال الآليات من موقع السودة والمواقع الأخرى كالمحشاش والحميمة وغيرها مواقع إستراتيجية. وبعد أن تم الاتفاق وأبلغت اللجنة الرئاسية قائد «اللواء 310» اللواء حميد القشيبي بالاتفاق؛ بادر بتوجيه أوامره بوقف إطلاق النار وتنفيذ الاتفاق، وخلال تلك الأحداث تدخل العديد من المشايخ المنتسبين لـ«المؤتمر الشعبي العام» بغرض التوسط بين قائد اللواء حميد القشيبي والحوثي، وفعلاً قاموا بالتواصل بين الطرفان، ولم يكن الحوثيون يعلمون موقع تواجد القشيبي، إلا أن أحد تلك المشايخ أبلغ الحوثي بمكان تواجد القشيبي، وبعد أن كانت قد تمت البداية من تنفيذ الاتفاق المتمثلة بوقف إطلاق النار تفاجأ الجميع بهجوم قوات الحوثي على اللواء من جميع الاتجاهات، وهو الهجوم الذي أدى إلى مقتل العشرات من الضباط والجنود، كما جُرح المئات، وهنا انتفضت خلايا الحوثي المنتشرة في المدينة بأسلحتها، وتم تعزيزها بالآلاف من المسلحين القادمين من خارج المحافظة، وقد أسفر ذلك الهجوم عن الاستيلاء على أسلحة المعسكر الثقيلة من دبابات وصواريخ وغيرها، كما تم نهب الممتلكات الخاصة بالكثير من أهل المدينة وخاصة المناوئين لجماعة الحوثي. وعبَّر شاهد عيان نازح من عمران: أن مليشيا الحوثي كانت تنتقل في الحارات وتسأل عن بيوت التكفيريين - طبعاً كل مناوئ للحوثي يطلق عليه تهمة التكفير لتقربه للغرب، وتناغماً مع الفكر الإيراني الذي يحمل نفس العقيدة ويطلقها على معارضيه - وتقوم باقتحام البيوت ونهبها، كما تم هدم فرع جامعة الإيمان في عمران، وتم تفجير دار القرآن في الجنات، وكذلك تفجير منازل وقصور «آل الأحمر» في عمران. وبين ليلة وضحاها، استقبلت صنعاء عشرات الآلاف من النازحين، بينهم نساء وأطفال وشيوخ، فروا من بطش جماعة الحوثي؛ حتى غدت مدينة عمران كما يصفها العديد من الصحفيين الذين زاروها بعد سقوطها بأنها مدينة أشباح.  ردود الفعل محلياً: أحدث استيلاء مليشيات الحوثي وإحكام سيطرتها على محافظة عمران ونهب ممتلكات المقرات العسكرية والأمنية وكل عتاد وأسلحة «اللواء 310» صدمة غير متوقعة للمجتمع اليمني بأسره وبكل فعالياته وأطيافه السياسية والاجتماعية؛ حكومية وشعبية وقوى سياسية. كما أصدرت اللجنة الأمنية العليا التي يرأسها «عبدربه منصور هادي»، رئيس الجمهورية، بياناً جاء فيه: إن جماعة الحوثيين نقضوا اتفاق وقف إطلاق النار في محافظة عمران غدراً، وقتلوا ضباطاً وجنوداً، ونهبوا كافة محتويات «اللواء 310»، وإن مسلحي الجماعة استولوا على المصالح والمرافق الحكومية والوحدات العسكرية والأمنية بالمحافظة.. كما طالب البيان جماعة الحوثي بإخلاء كل المرافق الحكومية والمقرات العسكرية والانسحاب من عمران، وإعادة كل المنهوبات التي نهبتها من مقرات الدولة ومعسكراتها، كما وحملتها كامل المسؤولية القانونية والأخلاقية والإنسانية عما حدث في عمران. ردود الفعل عربياً ودولياً: كما أدانت الدول الداعمة والراعية لـ«المبادرة الخليجية» وآلياتها التنفيذية ذلك الحدث عبر بيانات أو تصريحات مختلفة تدين جماعة الحوثي المسلحة، وتحملها مسؤولية جُرمها وما أقدمت عليه.. فقد أكد جمال بن عمر، مساعد الأمين العام للأمم المتحدة ومبعوثة الخاص إلى اليمن، إدانة مجلس الأمن لما قامت به جماعة الحوثي من مهاجمة مدينة عمران، وأن مجلس الأمن يعتبر ذلك العدوان خروجاً سافراً على مخرجات الحوار الوطني الشامل، ويتناقض مع الاتفاقات المبرمة من خلال اللجنة الرئاسية. كما نقلت وكالة «سبأ» الرسمية عن د. عبداللطيف الزياني، الأمين العام لمجلس التعاون الخليجي، إدانة مجلس التعاون الخليجي عدوان جماعة الحوثي على محافظة عمران، وأن ذلك العدوان يعد خروجاً صارخاً على مخرجات الحوار الوطني، ودعا إلى مراعاة الحرمات والحقوق العامة وكف العدوان.  الدلالات والأبعاد: ولعل تلك الهجمة الشرسة من قبل جماعة الحوثي المسلحة على محافظة عمران تحمل دلائل وأبعاداً ورسائل كثيرة، أهمها: - أن المحافظة تُعد المعقل الرئيس للثقل القبلي لقبيلة «حاشد»، وهي أكبر وأقوى القبائل اليمنية، وزعامتها تعد الحليف الأقوى للحركة الإسلامية في اليمن، وهي التي أصبحت مستهدفة إقليمياً ودولياً، وخصوصاً بعد ثورات «الربيع العربي». كما تبرز دلالة أخرى وهي أن قيادة «اللواء 310» المرابطة في المدينة تعد من الوجوه المحسوبة على الزعيم العسكري ذي الشخصية القوية علي محسن الأحمر، مستشار رئيس الجمهورية لشؤون الدفاع والأمن، وهو يعد من أكبر أنصار الثورة السلمية اليمنية، بل ويطلق عليه «حامي الثورة»؛ لأنه كان يشرف على ألوية عملت على حماية الثوار في أكثر من محافظة يمنية، وخصوصاً ساحة التغيير في العاصمة صنعاء. كما أن محافظة عمران ذات موقع إستراتيجي، فهي الطريق الرابط بين العاصمة وبقية محافظات الشمال، وتطل جبالها على مطار صنعاء الدولي بل ووسط العاصمة نفسها. ولكل ما سبق أيضاً تسعى إيران للإضرار بالمملكة العربية السعودية عبر الطعن في خاصرتها، من محافظة صعدة المحاذية للسعودية، فقد أصبحت محافظة صعدة بكاملها ومعسكراتها تحت نفوذ جماعة الحوثي ذات التوجه الموالي جملة وتفصيلاً للأجندة الإيرانية، ولذلك فإن التواجد الحوثي في محافظة عمران يعد إضافة جديدة تعزز النفوذ الإيراني وتقوي أذرعه في اليمن خاصة والجزيرة العربية عامة. * حسن الحاشدي / مجلة المجتمع

إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص