آن للحضارمةِ أن يتدارسوا خياراتِهم ويحسموا أمرَهم ..

في ظلّ المتغيّرات والمنعطفاتِ التي رَسَمت في اليمنِ واقعاً جديداً، وفي ظلِّ صراعٍ قديمٍ مُتجدّد انفتحت فصولُه الأكثر ضبابية ولربما سوداويّة،خاصةً مع تعدُّد اللاعبين في ذاتِ الملعب واتصالِ أكثرِهم بخيوطٍ تجعل منهم مجرّد دمىً في مسرحٍ أسود المُمسكُ بخيوطِ ألعابِهِ من لا يرقب في اليمنِ ولا أهلهِ إلّاً ولا ذِمّة، كل ذلك يجعل أكثرَ المتفائلين يتنبأ بعقودٍ من الصراعِ السياسي ولربّما العسكري الذي سيظلّ يتدحرجُ ككرةِ الثلجِ ولربما كرة النّار التي ستأتي على الأخضر واليابس.

في ظلِّ كل تلك التداعيات، لم يعد من المُجدي التعامل مع الواقع الجديد المتسارع بذات الأدواتِ الروتينيّة الرتيبة، ولم يعد من العقلِ والحكمة الثّباتُوالتّمسّكُ بمواقفَ سياسيّة لربّما كانت صالحة في ظروفٍ سابقة لكنّها لم تعد صالحةً اليوم.

لذا أصبح من المنطق اليوم ولربما الواجب أن نقوم نحن ابناءُ حضرموت محافظةً وإقليماً بمراجعةِ خياراتنا المشروعة التي تحفظُ علينا أمننا في ديارنا على أهلنا وأرضنا وثرواتنا ومستقبلِ أجيالنا، وعلى قاعدةِ ما لا يُدرك كُلُّه لا يُترك جُلُّه.

لقد سقطت صنعاء وإن أنكر رأسُ ما تبقى من السلطةِ فيها، وحتى إن سلّمنا أنها لم تسقط بين انياب الحوثيين فهي بالتأكيدِ قد سقطت في نفقِ الفوضى والتناحر السياسي الذي يبدو أنّه آخذٌ في التصعيدنحو ما لا تُحمدُ عُقباه ، وبين براثن الانتقامات والثارات ليس فقط للحسين بل لتراكماتٍ تاريخيّة لا ناقةَ لنا فيها ولا جمل.

وهذا الموقف لا يعني بحالٍ من الأحوال أن شأن البلاد لا يعنينا، أو أنّنا نرضى بما يجري لها من سَوقٍ نحو الدمارِ والتخريب، فأخلاقنا وقيمنا وقبل ذلك دينُنا لا يرتضي لنا ذلك، ولكنّه تغليب للحكمة في التعامل مع الأمور وإنقاذ ما يمكن إنقاذه، والقيام بالواجب نحو أهلِناومناطقنا التي عانت من سوء التعاملِ من أنظمة الحُكمِ طوال عقودٍ من الزمن ولم تهنأ بطيب العيش ولم تُمكّن من إطلاق أجنحتها في سماء النهوضِ والازدهار برغم ما تمتلكه من مقوّماتٍ ومقدّرات ليس النفطُ سوى واحداً منها.

إن المزيد من الانتظار والترّقب اليوم إنّما يعني أن ننتظر حتى تصل إلينا نيرانُ صنعاء بغض النظر عمّن كان نافخها، فتحرقنا وتُدخلنا في ذات الدوّامةِ والنفق، لذا حريٌ بكل أطياف المجتمعِ في حضرموت أن يُحصّنوا حضرموت محافظةً وإقليماً بالانتباه للحظة الحرجة التي نحياها والمنعطف التاريخي الذي نحن على عتباته والذي قد يحمل في طيّاته فرصة تاريخية لن تتكرر.

إن الدعوات التي تنادي اليوم بدراسة الخيارات وحسم الأمر لأبناء حضرموت محافظةً وإقليماً هي في وقتها إن لم تكن متأخرة، لذا أقترح على كافة النخب السياسية والاجتماعية والفكرية وكل الوجهاء والناشطين إلى سرعة الالتئام والتداعي لتشكيلِ مؤتمرٍ وطنيٍّ لإقليم حضرموتلاسيما وأنّ هذا يتناغم ويتماشىمع التوجّهات الإقليميّة والدوليّة التي أعطت تعهّداتها بتنفيذ ورعاية مخرجات مؤتمر الحوار الوطني، وكذا يأتي دعماً لتوجّهات حلف قبائل حضرموت نحو تشكيل مجلسٍ للحكماء أو مجلسٍ وطنيٍّ، والأجدى في هذا الظرف توسعته ليشمل ليس فقط جميع ابناء حضرموت بل ويُشرك معناأهلنا في شبوة والمهرة وسقطرى، وأن لا يُهمل التنسيق والتشاور مع الخطوات الجادّة المشروعة التي تتدارسهاوتدعو إليها مكوّناتُ الحراكِ الجنوبي وناشطوه، لنصل جميعاً إلى حالةٍ من التعايش الآمن الذي يضمن المستقبل الواعد للجميع ولا يُذكي حالات الشحناء والكراهية والعداء التي أذاقتنا المرّ عقوداً من الزمن ولا زالت.

إنّ هذا المؤتمر الوطني منوطٌ به تحمّل المسؤولية التاريخية ودراسة الخيارات بكلّ عقلانية وحكمةوبسقفٍ مفتوح دون قيود، ثم حسم الأمر والقرار لما فيه مصلحة حضرموت محافظةً وإقليماً أمنها واستقرارها، حاضرَها ومستقبلها، كما يُناطُ به فتح القنوات وطنياًوإقليمياً ودوليّاً بما يضمن إيصال المطالب المشروعة لحضرموت وأهلها وحقّهم المشروع في إدارةِ أمورهم واختيارِ ما يصلح لهم في ظل هذه الظروف.

حفظ الله البلاد والعباد .. وأصلح أحوالَ المسلمين ..

بقلم الدكتور : عادل محمد باحميد

إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص