الجزء الرابع من تجربتي مع الإصلاح

بدأت بالدعوة العلنية بين اوساط الشباب ، كان لي صديق اسمه ع.س علمت انه إنضم للمؤتمر ... كانت مواصفات المؤتمر لاتنطبق عليه فقد كان شاباً خلوقاً ملتزماً ولم يكن شيخاً قبلياً. التقيت به في احد المناسبات ووضحت له طبيعة المؤتمر وانه ليس له اهدافاً نبيله كالاصلاح ..وبينت له اهداف الاصلاح ونوعية المنضمين له ، فقال لي بكل صدق انا امر بظروف صعبة واريد أن اتوظف والانضمام لكم يعني الحرمان من التوظيف..! وهذه حقيقة غابت اليوم عن الكثير من المتكلمين رغم انها كانت معلومة راسخة.
صديقي ع.س فيما بعد 2011م اتهم الإصلاح بالفساد وانه سبب بلاء اليمن..! إنفصام الشخصية هذا اصبح ظاهرة منتشرة تحت تأثير إعلام ماكر وهروب بالنفس من اتهامها بانها لم تناصر الحق يوماً.. وحتى نكون اكثر واقعية فللقاريء الكريم ان ينظر لمن حوله من الإصلاحين في مديريته وحيه فقط ليتبين له صحة كلامي.
عدت الى البيت في ذلك اليوم وانا اشعر بحزن عميق لنظرة الناس المادية ..كان اخي ابوحكيم في إنتظاري ، اخبرته ان الناس لايرغبون في التغيير نحو الافضل لمصالح شخصية .. ابوحكيم صريح لدرجة جارحه احياناً فهو لايغلف كلماته او يلونها ، قال: اذا اردت ان تعيش ادخل المؤتمر وخل عنك الشعارات الفاضية.. رغم انني اكتشف كل يوم ان الكثير من كلماته كانت صادقة إلا انه في ذلك التاريخ الذي دارت بيننا هذه المحادثه لم يكن موثوقاً عندي، والسبب انه وفي يوم من ايام الجاهلية كما يحلو لصديقي السلفي تسميتها .. جاء إلى حينا داعية صوفي ، وكان مسجدنا سلفياً حتى النخاع، كنت وابوحكيم الذي يقدم لي النصائح لانرتاد المسجد للصلاة إلا في المناسبات العامة وبعض الجمع ، علمنا فيما بعد ان الصوفي تم منعه من إلقاء خاطرة له في مسجدنا ، قررنا الثأر له وطلبنا مساعدة اقرب اصدقاءنا .. لقد تم إختيار عبدالله وعمر ..عمر هذا اصبح نسيباً فيما بعد.
توجهنا للمسجد قبل صلاة العشاء او بالضبط قبل الإقامة حاملين معنا بعض الاخشاب تحسباً لاي تطور او مقاومة تحصل.
كانت المهمة ان اقوم انا بالصلاة بالناس وبقية افراد العصابة يؤمنون ظهري.. دخلنا المسجد واتجهت الانظار نحونا .. فلسنا من رواد المسجد وإن صلينا فيه لسنا من المبكرين..كنا كمن خططو لعقر ناقة صالح وابوحكيم كبيرنا.
جلست خلف الإمام وعندما ذهب ليفتح الميكرفون لإقامة الصلاة قفزت انا كسوبر مان إلى القبلة واقمت الصلاة.. لم يتحرك احد ولم تصدر اي معارضة .. انتهيت من إقامة الصلاة .. استووووو .. استووووو... كانت هذه الكلمتين هي زر التفجير لحالة من الفوضى والهرج والمرج في المسجد .. احتدمت المعارك من خلفي بينما تشبثت انا بالميكرفون .. الفرقة المكلفة بالحماية تبلي بلاءً حسناً رغم انها تصلني بضع كدمات او رفسات .. دخل المسجد في معركة تجسد حدة الخلاف التي سادت اواخر التسعينات وهرب بعض المصلين خارج المسجد.
وبالعودة إلى ساحة المعركة وانا لازلت متشبث بالميكرفون بكلتا يدي والمعركة على اشدها .. كان على الميسرة ابوحكيم وعلى الميمنة عمر الذي سيصبح نسيباً فيما بعد وفي القلب عبدالله.
كانت تصلني مناشدات من كبار السن بأن اترك المشاكل وأخرج من المسجد ..لكنها جوبهت بالرفض القاطع فإما أن اصلي إماماً او اصلي اماماً.
وبعد قرابة النصف ساعة من القتال دخل المصلحون بمبادرة تنص على الاتي:
ان اصلي في ليلتي هذه اماماً على أن لا اعود في الايام القادمة.
وعلى الامام مراعاة من اراد الحديث في المسجد من اي جهة كانت.
وافقنا ووافق الجميع وحقنت الدماء وتم تغليب الحكمة وكبرت تكبيرة الإحرام واتممت الصلاة اماماً.
لهذا السبب فقد كان ابو حكيم غير مؤتمن الجانب في النصيحة.. وبالمناسبة فأنا اشعر بالاسف الشديد لما احدثناه من فوضى في المسجد الذي اصبحت فيما بعد من رواده.
كان الغالب على افهام الناس أن من اراد الوظيفة والمال فعليه بالمؤتمر ومن اراد الفقر والبهذله فعليه بالاصلاح..هذا المفهوم سيتغير فيما بعد قيام ثورة التغيير ، لكن السير بتأني وروية مع هذا الحزب ستوضح للمحايدين حقيقة الاصلاح دون تشويه.
وحتى من توفق وتوظف من الاصلاحيين فهو لايسلم من التنكيل عبر تحويله إلى اماكن بعيده في عملية اشبه بالتهجير المتعمد والتشتيت المغرض.. كان الاصلاحيون يواجهون هذه الحملة بصبر جميل والله المستعان على مايصفون.
في لقاء أخوي في احد مقرات الإصلاح كان هناك إفطار جماعي ، إصطحبني صديقي خميس لحضور هذا اللقاء ، تلفت يمنة ويسرة وإذا بالمقر مليء بالشباب وهم بين قارئ للقرآن وذاكر في إنتظار اذان المغرب، كان جلهم إن لم يكن كلهم من الفقراء فلاسيارات فارهة عند الباب ولا ملابس راقية تدل على الثراء.
مقرات الإصلاح من الداخل اشبه بصومعة للعبادة والذكر وتزكية النفس ، ويصاحب هذا حلقات لنقاش الوضع السياسي وتدارسه وتوزيع المهام كلاً حسب إستطاعته وموقعه.. اجتماعات الاصلاحيون تتسم بالسرية لكنك لو حضرت احدها فستجد انها اشبه بحلقة ذكر تخللها مسائلة فيما قمت به خلال إسبوع .. هل صليت الضحى كم ليلة قمت الليل ؟ وفي ايام المواسم السياسية يناقش مايناسب الوقت الذي هو فيه.
مسيرتي مع الإصلاح لحوالي خمسة عشر عاماً تقريباً جعلتني اتيقن أن ميدان عمل الإصلاح هو الفرد المسلم ..تزكيته وتهذيبه وتعليمه وتحصينه من الشبهات وتقديم العون له وتشجيعة ليكون فرداً صالحاً ناضجاً قوياً في دينه وبدنه، قد تكون الوسائل تقليدية وغير محدثة لكنها تؤتي ثماراً جيدة.
لكن الاصلاح يعيبه إنغلاقه الزائد عن الحاجة والذي يراه البعض انانية في انه يقدم افراده في اي عمل يكون للاصلاح صلة او دور رغم أن الميدان مليء بكوادر تعتبر قريبة منه وبعضها مصنفة من أنصاره .. هذا الإنغلاق جعل منه مخلوق اسطوري تكثر حوله الخرافات رغم ان جملة مايقال في الاماكن المغلقة هو اقرب مايكون لإصلاح الفرد لتصلح الاسرة ومن ثم المجتمع ليصل الإصلاح إلى المجتمع المسلم..وهذا ليس بالامر السهل او الهين فانت تتعامل مع بشر تربية لعشر سنوات او عشرون سنة وفق منهج إسلامي يتواكب مع الخلافات الفقهية.
و في الجهة المقابلة فالإصلاح كما يستأثر بالمغنم إن وجد لاعضاءه إلا انه يتحمل المغرم كذلك لوحده.. زرت صنعاء نهاية العام 2011م والتقيت بصاحبي الإصلاحي نبيل .. كان نبيل مكلف هو ومن معه من الإصلاحيين بالحراسة في جمعة الكرامة وكان موقعهم في نفس الشارع الذي وقعت في المذبحة.. حدثني عن زملاءه الاصلاحيين الذين سقطوا امام ناظره ودموعه تتساقط كالمطر .. لقد دفع الإصلاح باغلى مالديه وهم اعضاءه الذين تعب في تربيتهم لسنوات طويلة ،اخبرني صديقي نبيل ان قوام اللجان الامنية من شباب الإصلاح ومعظم لجان النظام والإعلام ومع هذا لم يتمنن الإصلاح على احد وفي نفس الوقت لم يقل احدهم أن الإصلاح استأثر بأكثر شهداء جمعة الكرامة.
للامانة فاني اقول شهادتي فيمن عرفت من الاصلاحيين انهم لايطلبون المناصب ويتهربون منها ويحاولون البحث عن شخصيات مستقلة لتولي هذه المناصب.. قد يكون من بينهم من يطمع للمناصب والرئاسة لكنهم قله ولايمثلون السواد الأعظم من الاصلاح.. 
في الجزء التالي سنتحدث عن الاصلاح قبل الثورة وبعدها وعلاقته بالحمران وعلي محسن وقد يكون الجزء الاخير.

بقلم : ابو همام جمعان بن سعد

إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص