رسالتي إلى إخوتي في التجمع اليمني للإصلاح

رسالتي إلى إخوتي في التجمع اليمني للإصلاح

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته .

أما بعد :

يوم أمس الأول وصلتني على الخاص رسالة من صديق عزيز علي واحسبه من المحبين لي واظنه يضع آمالا كبارا على عاتقي . فحوى الرسالة وهي مقال تحت عنون ( ثورة البندقية ) يحاول صاحب هذا المقال ( الذي انتشر مؤخرا في مواقع التواصل الإجتماعي ) أن يقنع القارئ بأن لا سلمية بعد اليوم وأن الظروف الآن تتطلب الألتجأء إلى ذات الشوكة وليس لغير ذات الشوكة . وأن القوة لا تواجه إلاّ بقوة مثلها لتردع شرها أو أشد منها تقضي عليها إلى الأبد .

هذه الرسالة قد تكون جاءت إلي على حين فاقة لتعزز لدي قناعات تحاول من وقت لآخر أن تتسرب إلى دماغي المصدوم بما يحدث هذه الأيام في بلادي .

لم أجد من رد إلاّ أن أقول لصاحبي : سيقضي الله أمرا كان مفعولا ... وأنا هنا مقتبسا لمضمون كلامي من آية قرآنية في سورة الأنفال لتوصيف يوم بدر .

لم تكد شمس ذلكم اليوم تغرب وفي طريقي لصلاة المغرب أعترضني شاب آخر أظنه لا يقل حماسا لما يحصل من سابقه وهو يقول : هل سمعت آخر خبر ؟؟..

طبعا هذه الأيام يعتبر مثل هذه السؤال لغزا محيرا وأصعب سؤال ألاقيه وأعاني عند الجواب عنه لأننا نعيش أخبار متسارعة وكثيرة لا تدري ما أولها ولا آخرها .

قلت لصاحبي : هت الخبر أنت .. لكنه قبل أن يتكلم كانت عيناه وقسمات وجهه تحكي قصة خبر صادم وموجع يعصف بكيانه . نعم إنه خبر اقتحام عصابات الحوثي ومن والاهم يوم أمس للمقر الرئيسي للتجمع اليمني للإصلاح بمحافظة إب ومقتل عدد من الشباب هناك واقتياد عشرات آخرين إلى مكان مجهول .

حاولت أن أخفي الصدمة واستوعبها على رغم كبر حجمها ومرارتها .

انصرفت عن صاحبي لتقفز إلى مخيلتي آخر رسالة قرأتها عن ثورة البندقية ونهاية عصر السلمية .

عصفت بي ليلة طويلة وقذفت بي في وديان سحيقة من السيناريوهات الأكثر سؤا وقتامة وهي مضرجة بالحمرة القانية جدا .

إذا لابد من مغادرة مربع الركود والجمود فنحن نعيش في غابة موحشة لاترحم ولا تهتم ، من لم يكن فيها ذئبا ضاريا فسوف تتوزع لحومه مزقا بين أنياب الذئاب والوحوش والكلاب وحتى الطيور العابرة للقارات سوف تجد لها وجبة على بقايا جثته المتناثرة في المكان .

طفت على سطح تفكيري كلمات متطرفة جدا وحضرت حضورا كبيرا وتلاشت كل مصطلحات التعايش والسلمية ...الخ .

فعلا كانت ليلة سوداء قاتمة مدججة بالكراهية والموت والخلاص ومعززة ببعض أفكار متطرفة نشأت معي منذ نعومة أظفاري عندما كنت أنظر للمجاهدين الأفغان بأنهم يمثلون البقية الباقية التي تذكرنا بمواصفات الصحابة الأخيار وذلكم الرعيل الأول الأكثر روعة وسمو وجمالا في مخيلتي ومخيلة كل مسلم ومؤمن .

تلك الأفكار المتطرفة التي لم ولن تستطع أي قوة في العالم أن تزيلها من مخيلتي لولا تشبعي بأفكار التجمع اليمني للإصلاح الذي شذبها وهذبها ونقاها من كل شائبة فوجدت أن نفسي استقرت وارتاحت إلى ما صرت إليه وبدأت استغني عنها خاصة بعد أن تجاوزت الحدود .

نعم إن أسوأ شيئ في حياتك هو عندما تضيق الخيارات أمامك بل وتصبح فقط مخيرا بين الخيار السيئ والأسوأ منه فقط لاخيار ثالث .

ومع الصباح الباكر وبعد صلاة الفجر كالعادة تشرق الحياة من جديد في الكون وكذلك تتسرب الأفكار النيرة إلى مسام العقل الباطن ونواحي الوجدان وينبعث الإيمان ليدحر وساوس الشيطان .

وشيئا فشيئا بدأت تحضر ولو على خجل معاني ومفاهيم مثل النضال السلمي خيارنا .. سلميتنا أقوى من الرصاص .. لا للعنف والعنف المضاد .. لا للحرب الأهلية .. وكثير مما رددناه في محاضن الإصلاح ومن ثم ساحات التغيير طيلة أعوام ثورة الشباب السلمية ... ثم استحضرت نماذج كثيرة من تجارب العنف والعنف الآخر .. وتأملت في مآلات القتل والخراب وأين أوصل أهله .

وتذكرت من الأدب الجاهلي نتفا من معلقة زهير ابن ابي سلمى :

وما الحرب إلاّ ماعلمتم وذقتم .... وماهو عنها بالحديث المرجم .

متى تبعثوها تبعثوها ذميمة .... وتضرأ إذا أضريتموها فتضرم .

فتعرككم عرك الرحى بثفالها ... وتلقح كشافا ثم تتنج فتتأم .

...............................الخ .

ماذا لو ؟ كيف لو ؟ لما أصلا يحصل ذلك ؟ ومن خلفه ؟ وبدأت أجاوب على أسئلة كثيرة كانت بالنسبة لي بديهيات بالأمس فلماذا أصبحت اليوم حتى أفكر فيها مجرد تفكير عابر أو التشكيك فيها ولو مجرد شك اليوم !!!

هل يعتبر العنف إنجازا يستحق أن نفتخر به ؟؟

هل الصراع فعلا هو بين هذين الفصيلين الأهليين بغض النظر عن من يكونان أم أنهما فقط مجردا وكلا عن آخرين لا هم لهم إلاّ أن يوصلوا الجميع إلى قاع الحضيض في مستنقع الدم الأهلي المحرم ؟

هل القتال في الساحة اليمنية فكرة إبداعية جديدة غير مجربة سلفا وهي تستحق التجريب الآن أو حتى مجرد الظن الحسن فيما ستجلبه لأي طرف من الأطراف ؟

ثم هل التجمع اليمني للإصلاح هو الجيش كي يقوم بدوره المشروع في الدافع عن الوطن ووجوده وكرامته ؟؟!

هل التجمع اليمني للإصلاح هو وزارة الداخلية ومكونات الأمن العام المختلفة حتى توكل إليه مهمة مطاردة الجناة والقتلة والعصابات في أرجاء الوطن ؟؟

هل الإصلاح مليشياء مسلحة أو عصابة قاتلة أم مافيا لا تستثني أي وسيلة للدفاع عن نفسها والتستر على جرائمها ؟؟

قطعا ليس واحداً مما سبق صحيح ...

إذا لماذا نقحم ما لا يصلح فيما لا يصح .. ونلبس الأمور غير لباسها تحت تأثير صدمة أو لحظة عابرة .

فجأة ومثل قطعة الزنبرك المحررة سريعا قفزت إلى مخيلتي قصة العمارة الكبيرة التي ظل عمالها يحفرون في أعماق الأرض طيلة أشهر بحثا عن الأرض الصلبة التي يضعون عليها قواعد البناء . كنت أقول لنفسي هل هؤلاء سيبنون برجا يعانق السماء أم سيظلون يحفرون حتى يضيعون وتضيع أموالهم وهم ينحدرون في أعماق الأرض .

ليتهم وفروا وقتهم وأموالهم ليرتفعوا إلى الأعلى بدلا من ان يغوصوا وينحدروا نحو الأسفل .

لكن الحقيقة التي لم أدركها وقتها أن عمق الرؤية وسابق الخبرة وبعد النظر تطلب ان يخسروا كثيرا من المقدرات والأموال والأوقات في وضع الأساسات القوية والصلبة على أرض ثابتة راسخة لا تميد ولا تهتز مع مر الأيام وعواصف الأجواء وتغيرات المناخ .

وهكذا هي الفتن والمحن والابتلاءات تصنع لدى الممتحنين القواعد الصلبة والقوية والمتجذرة التي ستحمل غدا على عاتقها بنيانا كبيرا قويا ضخما عملاقا يشمل الكون كله من أقصاه إلى أقصاه .

وهذا هو الإصلاح في اليمن جنباً إلى جنب مع كل فصائل العمل الإسلامي في عموم الوطن العربي والأمة الإسلامية يؤسسون اليوم قواعداً وأساسات قوية وراسخة وثابتة على أرضية قوية وصلبة ومتمكنة .

تصلح غدا لتحمل على عاتقها مشروعا نهضوياً اسلامياً عالمياً شاملا يمتد إلى ما أمتدت إليه الشمس وطوي من الأرض في مشارقها ومغاربها .

إنها لحظة وضع القواعد وإرساء الدعائم وتثبيت الأساس تحت ضربات الفتن المتلاحقة وقسوة المحن المتعاقبة وضبابية الرؤية وانتشار الشائعات والأراجيف وتمزق الفكر والكيان .

وخلاصة الموضوع أن القتل والقتل المضاد لن يحل مشكلة ، وان تفجير البيوت والتفجير المضاد لن يحل المعضلة ، وان نسف المساجد والنسف الآخر لن يصنع الحل ، وأن تدمير المدارس والمحاضن الفكرية والتربوية لن ينزع الفتيل ، وأن الكراهية لاتواجه بغير الحب ، وأن الكذب لا يهزمه إلاّ الصدق ، وأن الظلم لا يردعه غير العدل ، وأن الباطل لايزهقه إلاّ الحق .

نعم قالها مرشد جماعة الأخوان المسلمين الأستاذ محمد بديع ذات يوم من على منصة رابعة في مصر " إن سلميتنا أقوى من الرصاص وعززها من داخل السجن ومن وسط المحنة حينما قال يجب ان تعلموا بأننا لم نكن نهذي عندما قلنا الموت في سبيل الله أسمى أمانينا "

إنها قمة الثبات على المنهج الصحيح الذي ارتضته الثلة المؤمنة في هذا الزمان ولا حيدة عنه ولا تراجع عنه وهو سبب هذا الحقد الأعمى الذي يصب حمم براكينه على هذه الجماعة المباركة أينما وجدت .

ولا تناقض أبدا بين أن نحمل السلم والسلام والحب والوئام للعالم الذي طالما افتقدته البشرية هذه الأيام وبين أن يكون الموت في سبيل الله أسمى أمانينا ..

نسال الله ان يرزقنا الشهادة في سبيله .

أقول أيها الأخوة هذه هي الطريق ملئيه بالأشواك والمحن والدماء والابتلاء والنزوح ومفارقة الأهل والأحباب .. لكنها هي طريق من سبق وهي طريق من بقي على الحق الى يوم الدين .

إن عدونا الحقيقي الذي يستحق منا القتال نعرفه تماما وهو بدوره أيضا يعرفنا تماما غير انها لم تحن بعد لحظة معركتنا معاه لأنه للأسف لازال يصنع لنا من أنفسنا أعداء وهميين كي يصرفنا عنه ويستغني هو عن مواجهتنا ، فهو يغرر ببعض السفهاء من قومنا والجهلة من أبناءنا ليقوموا بتلهيتنا عنه وصدنا عن الوصول إليه .

أقول أيها الأخوة لم تحن بعد الساعة الفاصلة ، ولم يبزغ بعد الفجر الصادق ، فما علينا إلاّ الصبر والتريث كما قالها رسول الله صلى الله عليه وسلم لخباب بن الأرت رضي الله عنه حينما تعب من كثرة الابتلاء وشدته فقال لرسول الله صلى الله عليه وسلم : ألا تدعوا الله لنا ألا ندافع عن أنفسنا .. فغضب رسول الله وقال : إنه كان فيما كان من قبلكم من يمشط بأمشاط الحديد مادون لحمه وعظمة لا يرده ذلك عن دين الله ، والله ليتمن الله هذه الأمر حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حضرموت لا يخاف إلاّ الله والذئب على غنمه .

فالثبات الثبات حتى تنجلي الغمة العابرة والسحابة والسايرة وما أظنها إٍِلاّ ستنجلي قريبا .

بقلم أخيكم ومحبكم : محمد أحمد بالطيف

المكلا - الأحد - الموافق : 2 نوفمبر 2014م

إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص