حضرموت اليوم / المكلا/ أحمد عمر باحمادي :
يستجيش في قلبي الحزن حينما أرى الطلاب يشتكون على الدوام من الارتفاع غير المبرر في تكاليف المواصلات، وما دعاني لأتحسس آلامهم أنني كنت عما قريب طالباً مثلهم غير أن تلكم التكاليف التي كانت على أيامنا القريبة الماضية قد اختلفت اختلافاً كبيراً وبيّناً.
ذلك أن أصحاب الباصات التي تنقل الطلاب لا يكتفون بالارتفاعات التي تطرأ على المشتقات النفطية ليرفعوا الأسعار على ما يوازيها، بل نجدهم دون رحمة يضيفون إليها الأرباح المنكرة ليضمنوا لهم فائدة حسنة تقوم على امتصاص دماء الطلاب المساكين وأولياء أمورهم وذويهم الذين يكتوون بنار الارتفاعات الهائلة في كل شيء بدءاً بضرورات الحياة التي تستهلك نصيب الأسد من معيشتهم وحتى الاستثنائيات أو الكماليات التي قلّ الناس عن اجتراحها في هذه الأيام.
ولست في حاجة هنا أن أؤكد أو أستدل على المعاناة التي يكابدها الكثير من الطلاب الجامعيين إذا علمنا أن البعض منهم قد ترك مقاعد الدراسة فعلاً والبعض الآخر قد أوقف تسجيله حتى يستجمع لنفسه شيئاً من المال يعينه على مواجهة أعاصير مقتضيات طلب العلم في هذا الوطن المكلوم.
إن ما يترتب على تلكم المآسي من نتائج أليمة قد أتينا على ذكر بعضها سابقاً كترك الدراسة واستفحال سرطان البطالة والعطالة، وسعي البعض لاستجلاب الرزق بطرق ملتوية كالسرقة والرشوة والحرام لتوفير احتياجاته الضرورية، إن لم يتكاتف المجتمع بمؤسسته المختلفة وبخاصة الخيرين من أبنائه مع هذه الفئة المسحوقة ليقدموا لهم يد العون والمساعدة ويخففوا عنهم شيئاً يسيراً مما رمتهم به الحياة من مصائب.
من حظ هؤلاء المساكين أنهم تعلموا ودرسوا في ظل حكومات فاسدة وشريرة، ففسدت وأشرت على خطاها مرافق التعليم العالي وغيرها، فالجامعة لا تلقي لهموم الطلاب أية اعتبار، ولا عبرة بمن يتولى فيها المسئولية وإن كان من نفس المنطقة التي يعاني طلابها الأمرين، فالأمور ليست بيدهم بقدر ما هي بأيدي أخرى خفية تتولى عزف الأوتار وتلعب بالأحجار على رقعة الشطرنج.
لقد أصبحنا لا نرجو نفعاً من أمثال هؤلاء إلا كما يسعى المسافر في بيداء واسعة وراء سراب يلتمع من بعيد يرجو أن يجد من ورائه واحة ظليلة وقطرة ماء ولن يجد مهما حثّ السير واشتدّ به الظمأ، ولا نقول ذلك تجنياً أو افتراءً؛ فنظرة أو نصف نظرة للواقع تثبت للقارئ صحة ما نقول .
آخر ما يخطر على بال المرء أن يرى فلذات الأكباد وآمال المستقبل يقفون على قوارع الطرقات في حر الظهيرة بانتظار سيارة ( بلاش ) تقلهم لمكان عيشهم، أيّ حياة نرجوها بعد هذا، وأي مستقبل نرنو إليه حينئذٍ ؟!، أين الدولة، أين الراحمون، بل أين ضمير الإنسانية جمعاء؟!، لقد صرنا نحارب التعليم بدراية أو من غير ندري، ونحن نسكت عن هذه الخطوب والرزايا، ونغض الطرف عن هاتيك النوازل والبلايا، وما من عاقل يقول: كفى ما يحدث فقد طفح الكيل وزاد الماء على الطحين، وإن لم يكن ثمة ماء ولا طحين بل إنه الجوع والسغب.