حضرموت اليوم* استطلاع/ فهمي بارمادة - هاني جود :
يعد اليمن كغيره من الدول النامية والأقل نموا، ويعاني من ارتفاع وتصاعد مستمر في معدلات الإعاقة وأعداد المعاقين يبلغ مليونين و610 حتى نهاية عام 2007 بحسب تقرير المركز اليمني للدراسات الاجتماعية وبحوث العمل الصادر في 2007، ويبلغ عدد المكفوفين في اليمن -بحسب إحصائية عام 2005 الصادرة عن الجهاز المركزي للتخطيط- 76 ألف كفيف.
وفي وادي حضرموت تحتضن جمعية رعاية وتأهيل المكفوفين (100) كفيف من الذكور والإناث منذ تأسيسها في عام 2000.
15 عاما في خدمة الكفيف
البداية كانت مع رئيس جمعية المكفوفين بوادي حضرموت عقيل سالم الكاف الذي أوضح أن الجمعية تقوم بأنشطة متنوعة والتي من أهمها تأسيس مدرسة الضياء حيث تقوم بتدريس وتأهيل المكفوفين من الصف الأول إلى الصف الثامن ثم دمجهم بعد ذلك في المدارس النظامية.
كما أشار الأستاذ عقيل -وهو كفيف- إلى أن الدورات التي حصلت عليها الجمعية ومنها: دورة الحركة والتنقل للكفيف من مكان لآخر لوحده، وأيضا تعلم طريقة برايل التي يستطيع من خلالها الكفيف القراءة والكتابة، بالإضافة إلى دورات في الحاسوب الناطق ويستطيع الكفيف به استخدام الحاسب الآلي والتواصل مع أصدقائه في العالم من خلال برامج التواصل الاجتماعي (فيس بوك، تويتر، اسكايبي...) وتصفح المواقع الإلكترونية.
ولفت رئيس الجمعية إلى أن الكثير من المكفوفين يجيدون فنون ومهارات بل وفتح بعض أماكن ومحلات لطلب الرزق ويعود ذلك إلى المعمل المتكامل بالجمعية والذي يحوي قسم لتجليد المصاحف والكتب وتخريم الأحذية.
«أهلا بمن عاتبني فيه ربي»
الداعية خالد خميس صبيح يقول: إن المجتمع الذي ينطلق من معتقداته الدينية يرى أن الكفيف أحد أفراده، له من الحقوق مثل حق الاحترام وحق التعليم وحق الوظيفة. وكذا ينظر إلى ضرورة إدماجهم في المجتمع حتى ?يشعروا بأنهم ناس على هامش الحياة.
ولفت صبيح إلى أن الإسلام جاء بجملة من التعاليم والأخلاق التي من شأنها احترام وتقدير الكفيف، ويكفى بذلك خطاب النبي الكريم لعبدالله ابن أم مكتوب كلما أقبل عليه يقول: (أهلا بمن عاتبني فيه ربي)، -سبحان الله- لأن ابن أم مكتوم لم يرى عبوس وجهه عليه الصلاة والسلام...لكنه الأدب الرباني.
ولمعرفة تفاصيل أكثر عن مدرسة (الضياء) للمكفوفين التقينا بأمين عام جمعية المكفوفين بوادي حضرموت ومشرف المدرسة عبدالمعين بكير والذي قال: أن المدرسة بها عدة صفوف من الصف الأول إلى الثامن يتم بعدها إدماجهم بالمدارس الحكومية مع إخوانهم المبصرين من الصف التاسع.
ونوه بكير إلى أنهم يدرسون بالمدرسة التي تخرج منها حوالي (3) دفعات ومنهم من أتم المرحلة الثانوية، وبعضهم سيلتحقون بالجامعة مناهج عبر الناطق وأشرطة كاسيت وفلاشات عبر جهاز الحاسوب.
وعن الأنشطة بالمدرسة ذكر مشرف المدرسة أنها مثل الأنشطة بالمدارس الحكومية للمبصرين كالمسابقات الثقافية والجلسات الأدبية والنشاط الرياضي في كرة الهدف وألعاب القوى بالإضافة إلى الزيارات للمدارس الحكومية والأهلية للتعرف عن قرب على أنشطتها وتبادل الخبرات مع الإدارة والمدرسين فيها للاستفادة منها وعكسها على أنشطة مدرسة الضياء، منوها إلى الهدف من الأنشطة إبراز المواهب لدى الكفيف وصقلها، وكذا دمجهم من خلالها بالمجتمع وانصهارهم فيه.
وأشار بكير إلى أن طلاب المدرسة حازوا على بطولات على مستوى الجمهورية في بعض المجالات الثقافية والعلمية والتي منها المركز الأول في فئتي العشرون والعشرة أجزاء بمسابقة القرآن الكريم التي نظمتها الجمعية اليمنية للمكفوفين بالعاصمة صنعاء.
دور حاضر للمجتمع، وغياب للدولة
الأستاذ شوقي باحميد قال: لا زال مجتمعنا بخير وهو يسمو بإنسانيَّة الإنسان في تعامله مع ذوي الاحتياجات الخاصة، والكفيف يحظى بالرعاية والاهتمام على المستوى الفردي والجماعي، فَقلَّ ما نجد من يتعامل معه بشكل لا يليق، ولكن ما يقدمه له الأفراد من العطف والرعاية لا يكفي احتياجاته ولا يلبي متطلبات حياته الصعبة وهو الكفيف. مشيرا إلى الكفيف مثله كغيره من المبصرين القادرين على مواجهة الصعوبات مستعينين في تحقيق ما تتطلبه الحياة بنور بصرهم الذي يفتقده.
وأضاف باحميد: لذلك كان حريًّا أن تقدم الدولة له راتبا شهريَّا يستطيع من خلاله أن يعيش كغيره، فهو ابن المجتمع ولن يكون ما يقدَّم له إلا حقًّا يستطيع به مواجهة صعوبة العيش، وإن صادفت كفيفاً يمد يده طالباً معونة الآخرين فاعلم أنَّه يعيش في دولةٍ لا تعطي المستحق حقَّه وقد تركته يستجدي الآخرين بضعفه، حين عبست عنه وتولَّت.
زراعة الثقة تكيفهم اجتماعيا ونفسيا
ويرى المهندس/ حلمي عرفان بايعشوت أن العلاقة الاجتماعية المتبادلة بين (الكفيف) والقائمين على رعايتهم في المقام الأول والذين يكون لديهم التأثير الأكبر في زراعة الثقة لدى الشخص الكفيف والتي تمثل نقطة الانطلاق نحو بناء مفهوم واقعي لديهم يؤثر تأثيراً ملحوظاً في تكيفهم الاجتماعي والنفسي، منوها إلى أن الاتجاهات الإيجابية للكفيف بصريا تسهم في تدعيم وتطوير سلوكهم، مما يرفع من مستوى تكيفهم مع البيئة المحيطة من حولهم.
واقترح بايعشوت بأن يبدأ أولا أقرب الناس للكفيف إلى غرس الثقة لديه لوجود صعوبة في تغيير المجتمع في لحظة واحده. مبينا أن النظرة القاصرة للمجتمع للأسف الشديد -ولا يعني بأن الكل سلبيين- في التعامل مع هذه الشريحة الهامة من المجتمع، فقمة التعامل معها عندما تريد أن تتخاطب معهم راقب ألفاظك لكي لا تقع في الحرج أو بالأصح قد تنزل منك عبارات تراها أنت من وجهة نظرك أنها صحيح.
إعادة التأمل
بينما أشار الأستاذ سعيد قوقح أن النظرة للكفيف في مجتمعاتنا لا تزال نظرة دونية قاصرة، فالكثير ينظر إليه باعتبار أنه إنسان ناقص وعاجز، يُعامل بشفقة مبالغ فيها، أو تجاهل وجهة نظره أو مد يد العون له. منوهاً إلى أن هذا يضاعف من عزلة الكفيف وانكماشه، فلا يتصور أن يفعل شيء مفيد للمجتمع، ولا يستوعب أن يقدم خدمة إنسانية للبشرية باختراع يسهل حياتهم، بل يعد ضربا من الخيال أن يتميز الشخص الكفيف عن المبصرين.
ووجه قوقح نصيحته للمجتمع في إعادة التأمل في نظرته للشخص الكفيف ولكل شخص فقد عضوا من أعضائه، ولنعلم أن المعوق يتأثر من هذه النظرات التي يوجهها له المجتمع. فيزداد إحساساً بالعجز والقصور، بل نجد بعض المكفوفين يتمنون الموت لاعتقادهم أنه الخلاص الوحيد من واقعه الأليم.
موقف مع كفيف
أما الأستاذ/ حسن ودعان فيحكي أنه جلس مع كفيف وسأله كيف ينظر لتعامل المجتمع معهم؟ فأجابه: بالصراحة نعاني معاناة وللأسف من الأقرباء، وقال أيضا: إن هذا يحدث لمثله من المكفوفين بيد أن الغرباء من غير المقربين يعاملونهم بلطف، ويضيف: ولكن هذا ليس واقع الكثير ممن يعاني من كلمة أعمى عندما تكرر للتعريف، وتمنى الكفيف أن يناديه الناس باسمه أكثر من أن ينادونه بأعمى.
ودعا ودعان المؤسسات والجمعية والمنتديات إلى إقامة دورة تدريبية لأهل الكفيف في كيفية التعامل معهم، وسيكون هذا البرنامج أفضل لأن المكفوف في النهاية واحد من المجتمع وربما إنتاجه للمجتمع أكثر من البصير. (إنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور).
وأشار الأستاذ حسن إلى زيارة مدارس الارتقاء الأهلية لطالب يدرس في عبدالناصر بسيئون حاز على الترتيب الأول على دفعته في الصف التاسع وهو كفيف.
ما زال مجتمعنا بخير
الشاب أسامة عبدالله مكارم فيجد أن تعامل المجتمع مع (الكفيف) إيجابي لاسيما وأن هذه الفئة -والتي تندرج ضمن فئة المهمشين- مهضومة الحقوق لوجدنا أن من أبناء مجتمعنا من يقدم لهم الخدمات ويهتم بهم وينمي مهاراتهم عبر الجمعيات المختصة وغيرها...
وتمنى مكارم أن ينظر الإخوة في السلطة المحلية بوادينا الحبيب نظرة إنسانية تجاه هذه الفئة ويقدموا لهم ما استطاعوا -مكتبات خاصة بهم وكل ما هم بحاجة إليه- ويعملوا على تذليل المشاكل التي تواجههم؛ ليشعروهم أنهم جزء من المجتمع لهم حقوق وعليهم واجبات.
للمجتمع نظرتين
وحول نظرة المجتمع للكفيف أوضح الإعلامي حسين باشريف إلى أن المجتمع ينظر إلى الكفيف بنظرتين الأولى: أن الكفيف اختبره الله سبحانه في هذه الدنيا ليصبر أم لا يصبر، وفي هذه الحالة يرضى المجتمع بما قسمه الله له باعتباره أمر واقعي ويجب الرضوخ له والرضاء بالقضاء والقدر، فكل شيء من الله فهو خير. الثانية: أن الكفيف يبقى عالة على الناس ولا يقدر فعل شيء، ولا يقدر حتى يصرف على أهله فهو في هذه الحالة محل نظر ازدراء واحتقار لبعض من المجتمع.
واستعرض باشريف وجهة نظره تجاه الكفيف وهي أنه حالة يجب الرضاء بالقضاء والقدر بها، وثانياً لا بد للكفيف أن يستغل قدراته الأخرى في الحاجة النافعة التي تعود عليه وعلى أهله بالنفع، فيعمل له حرفة أو يلتحق بمدارس المكفوفين التي خصصت الدولة لهذا النوع الخاص وأعطته كامل حقوقه وجعلته جزءاً لا يتجزأ من المجتمع فلا يبقى عالة على الآخرين فيبذل كل ما بوسعه.