اللاجئون بين قسوة الشتاء والعرب ..

بالأمس أغمضت عيني بصعوبة ؛ إذ شعرت ببرد مؤلم بين الجفون ؛ قد أبطأ انطباقهما سريعا ً كما اعتدت دوما دون تفكير .. ياللبرد القارس الذي لم تسلم منه حتى جفوني ، ثم انتبهت فجأة : جفون ! أي جفون ! وفتحت عيني ّ لا إراديا ً !

تذكرت ذلك الصبي الذي جاء في التقرير الإخباري عن مخيم اللاجئين السوريين بمن فيه من إخوة لنا في الإسلام ، تقطعت بهم أحلام الدفئ البسيط ، قفزت صورته أمام عيني دون إذن ، تؤنب جفوني على جرأتهما على التغافل والإغفاء ، لن أنسى الأبيض الذي جثم فوق أهداب عيونه ماحييت ، ثم أزاحت جانبا ً تلك الصورة ، صورة أخرى أشد وخزا ً ، صورة تلك الأم التي تهرول حاملة طفلها ، وقد انحسرت أكمام ملابسه عن ذراعيه لصغرها عليه ، وقصر سرواله ، وبدت ساقه عارية بالكامل ، إلا من الثلج المنهمر على جلده الرقيق ، وأنامل قدميه النحيفتين ، وهم يركضون في رحلة البحث عن مأوى ، او ربما عن شربة ماء لم تتجمد بعد .. يا إلهي !

ثم أزاحتها جانبا ً صورة ثالثة لذلك العجوز الممسك بمعوله يذب الثلج عن مدخل خيمته المصنوعة من بقايا لحاف مترهل ، وقد كشف عن قدميه بلا جوارب كذلك ..

وهكذا كانت مخيلتي تتزاحم بالصور المتداخلة بعضها فوق بعض حتى اقتنعت أخيرا أن بردي بالنسبة لهم هو حر .. ولا أحمل إلا أن أقول لهم حسبكم الله ونعم الوكيل ..

أيا مدثرا بدثار البرد ، ومفترشا فرش الصوف ،وملتحفا ً بما يرم عظامك ؛

أَدَامَ اللهُ عليكَ مَلاحِفَ الدَّفءِ بعضُها فوق بعضٍ.

هذا فضلُ الله؛ يُؤْتيه من يشاءُ، ويقبِضْهُ عمن يشاءُ.

تمتعْ بالعافيةِ لا حَرجَ عليكَ، وسَلِ اللهَ مزيدًا من مزيد، لا بأس.

لكن تَذَكَّرْ ذاكَ الطفلَ الذي افْترَشَ الجليدَ، وتَلحَّفَ الصَّقَيعَ، وتَوَسَّدَ الحَجَرَ القاسِي لِوَجْنَتَيْهِ، وانكَشَفَتْ قَدمَاهُ، وكَفَّاهُ.

تذكرهم بصدقة أو دعوة لعل الله ان يخفف عنهم ماهم فيه من بلاء ..

ولكن السؤال الذي يطرح نفسه أمام ناظري دائما ً :

أين الخليج العربي ؟ أين النفط ؟ أين باقي العرب ؟ أين أمة الإسلام ؟

أم أن التغاضي عن أوضاع اللاجئين أضحى داخلا ً في خطة سياسية مرسومة !

ولو كان كذلك فعلى الشعوب أن تتحرك لإنقاذ هذه الأجزاء التي تقطع حية من جسد الأمة.. سواء كانوا سوريين - وهم الأغلب الأن – أو فلسطينيين أو عراقيين أو غيرهم من المسلمين في سائرالأرض ومنها بورما .

اللهمّ آوِهِم من عَراءٍ، وآمِنْهُم من خوفٍ، وأطعِمْهُم من جوعٍ، وآيِسْهُم من جزعٍ كئيبٍ؛ يختلجُ فى صدورهم لا ريبْ.

بقلم : فائز المحورق

إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص