كـنت مــاويًا .. ولكــن ..

 الحياة رحلة طويلة تبدأ بالطفولة وتمر بالشباب والكهولة وربما تنتهي بالشيخوخة تفصلها مراحل أو محطات استراحة أو تزود كالطريق البري سواء بسواء .

 وكما ينبت الزهر في الربيع ويلقي عند باب الخريف ببعض ثماره [اسم مسلسل عشق وحب كانت تبثه إذاعة لندن العربية في الثمانينات] كذلك الإنسان يجمع خبرات أثناء حياته ويجد في نفسه عند كبره أن لا بد من توريث هذه الخبرات والحديث عنها لمن بعده لعل الله ينفع بها المستمع والقارئ ..

     الصين  : بلد في النصف الشـرقي من الكرة الأرضية وقارة آسيا . مساحته (10ملايين كم2) به (5400جزيرة) ، وسكانه حسب وكالة الأنباء الصينية لعام 2003م مليار و300 مليون نسمة ، لكن بسبب سياسية تحديد النسل المطبقة منذ عام 1990م حدث أن : تراجعت نسبة الولادات من 21.01 في الألف إلى 12.14 في الألف عام 2003م وعليه تراجع النمو السكاني من 14.29 إلى 6.01 في الألف في السنة . وأغلبية سكان المدن 40% من الصينيين ليس لهم سوى طفل واحد أو ليس لهم أطفال مطلقا ، أما الفلاحون فيسمح لهم القانون أن ينجبوا مولودًا ثانيًا إذا كان الأول أنثى مما سارع الشيخوخة في السكان . وتفوق عدد الذكور بكثير على عدد الإناث . وحدثت عمليات إجهاض رغم أن القانون يمنع ذلك بشدة ، لانتقاء نوع المولود الناجمة عن ثقافة الصيني الذي يفضل الذكر على الأنثى ، ولأن معظم الريفيين الذين لا يحضون بأي معاش تقاعدي يرغبون في تأمين شيخوختهم بوجود ذكر عندهم ، فالبنات إذا تزوجن التحقن بعائلة الزوج .

     التركيبة السكانية تتكون من (56) قومية أشهرها : الآجور ، والهان  ، والتركمان ، والأوزبك في (31 ) مقاطعة . عرف الإسلام فز زمن الخليفة الثالث عثمان t حيث دخله سعد بن أبي وقاصt عبر طريق البر (طريق الحرير) غير أن فتحه كان على يد قتيبة بن مسلم الباهلي في الفترة من (83هـ ـ 94هـ =702م ـ712م) بني أول مسجد به في مدينة (كانتون) قبل 1350عاما .

 وأحب أن أنبه بدءً إلى أنَّ أي : عملٍ فكريٍ عندما يوضع بين يدي القراء ، فإنهم يصبحون شركاء للمفكر في ملكيته ، إذا كان من حق بعضهم أن يثني عليه ، فمن حق آخرين أن يوجهوا إليه انتقادات ، فما على المفكر إلا أن يقول كلمته ويمضي ، ويدع للآخرين التحليل ، أهو عين ما أراده المتنبي غفر الله له حين قال :

أنام ملأ عيوني عن شوا ردها   ويسهر الخلق جراها ويختصمُ

  أو كما يرى د. محمد عمارة : أن من الخير للمفكر بعد الفراغ من العمل الفكري أن ينصرف إلى عمل فكريٍ آخر بدلاً من أن يضيَّع جهده ويشغل نفسه والناس بالرد على منتقديه .   

وفي محطة من محطات حياتي .. عندما تسلمت رسالة التقاعد في 12محرم 1429هـ الموافق 22يناير 2008م وتفرغت من تبعات وظيفة التعليم بعد عناء معها دام 35عاما بالكمال وجدت دافعا قويا وقد عادت بي الذكريات وألحت عليّ نفسي تلح أن أقبل على الماضي الذي أبرق لي وأشرق وأخذت قلمي وفتشت صفحات أيامي وليالي فإذا فيها مادة دسمة وحدائق زاهية أستطيع أن اقتطف من ثمارها واجتني مكن جناها مادة وحديثا أكتبه لعل فيه العظة والعبرة ، وهناك حماقات حرية بأن تحرق وأن يطوي الزمان سجلاتها حتى لا تختلط الأوراق فها أنا أضع بين يدي القارئ بعض زهور العمر الندية و ثمار اليانعة لعل الله أن ينفع بها وأبدأها برجال التربية الذين تأثرت ببعض أسلوبهم ونهجهم في التربية ممن كان قبلنا أو معاصرا لنا ، وممن تتلمذنا على يديه أو على كتبه ، وممن رأينا أو سمعنا عنه ، من العرب والمسلمين ومن غيرهم ومنهم رائد صحوة سيئون المباك الشيخ عمر بامخرمة ، شيخ مشايخ حضـرموت الإمام الحبشـي ، وخالع قسم ، والسطان علي بن منصور ، الأسرة الكافية المباركة ، والشيخ عبد الله بكير وبو نمي ، والإمام حجة الإسلام لغزالي ، ومن غير المسلمين هذا الزعيم الأممي الذي : عرفته بعد استقلال الجنوب مباشرة :

وأصل الحكاية أن من أوائل المساعدات التي أعلن عنها آنذاك أن كوريا الشمالية تبرعت لليمن الجنوبي بمصنع للصابون ، ففرحت أننا بدأنا نؤسس البنية التحتية لدولة صناعية جبارة في الجزيرة العربية ، بعد ما أضعنا فرصا كثيرة كان أهمها قبل الاستقلال أن السلطان صالح بن عمر بن عوض القعيطي ورث عن أبيه عقب وفاته عام 1865م إمارة وألف وخمسمائة من الجنود وثروة تقدر بقرابة خمسمائة ألف جنيه إسترليني وهي ثروة ليس لها نظير عند أي سلطان في جنوب الجزيرة العربية أسس بها صالح بن عمر وأخواه عوض وعبد الله الدولة القعيطية في المكلا [انظر كتاب : عرب حضرموت في حيدر أباد عرض وتحليل د.رزق سعد الله الجابري ص: 43 ـ 44] كان يمكن بهذه العائدات والثروات وغيرها إنشاء دولة مدنية ذات قاعدة صناعية وزراعية وتوفير بيئة أعمال تحقق تنمية مستديمة بإحداث نمو في فرص العمل في الداخل وإنشاء قطاع إنتاجي حديث بما يعود على الإنسان بالازدهار وانتشال حالة الفقر والجوع والجهل والمرض ، لكنها بددت في حروب وصراعات ، ونقلٍ لصراع البيوت المالية الحضرمية الكبرى من المهجر إلى الداخل ، ففي نفس الوقت تقريبا أسس السلطان غالب بن محسن الكثيري الدولة الكثيرية في سيئون بأموال طائلة جاء بها من الهند أيضا وعبيد صالح بن عبدات بنا مجدا في الغرفة بأمواله التي جاء بها من أندونيسيا غفر الله لهم جميعا لكن سوء التدبير بدد تلك الأموال في صراعات بينية أكلت الأخضر واليابس .  أما مصنع الصابون فلم ير النور ، ولأنني كنت مشاغبا وسؤلا فسألت عن مصير هذه اللبنة في القاعدة الصناعية التي أحلم بها وذلك على ما أذكر عندما وصل فريق من الفنيين والخبراء من وزراء وغيرهم يناقشون الخطة الثلاثية الأولى في البلاد ، فأجبت أن صناعة الصابون تقوم على مادة زيتية تستخرج من مياه المجاري ونظرا لأن بلادنا ليس بها مجاري فيتعذر قيام تلك الصناعة في بلادنا ، وفي ذلك الأوان كانت أفكار ماو قد تسللت إلينا نحن الشباب خاصة ومنا : أن رحلة الألف ميل تبدأ بخطوة واحدة ! فأدركت أن القاعدة الصناعية حتى تأسس صح فلا بد قبلها من إستراتيجية تعليمية واضحة ، ولا بد من البدء أولا فأول ، فما لم نرتب أولويات واقعنا فسوف نتخبط . وفي ذلك الأثناء زار الرئيس سالمين الصين وانتشرت في أوساطنا نحن الشباب خاصة نكتة مفادها : أن سالمين شكا إلى ماو سوء الأوضاع الاقتصادية في الدولة الفتية ومشاكل الإسكان والفقر والبطالة .. وكان لقاء الرئيسين في أعلى طابق في فندق يطل على العاصمة بكين ، فسأله ماو كم سكان اليمن الجنوبي ؟ فأجابه مليونين ! فقال له : إذا كنت تشكي من شعب تعداده مليونيين فإن هذا الحي الذي أمامك في العاصمة يسكنه أكثر من مليونين فما رأيك !! فأعجبت برجل يقود مليار إنسان ويوفر لهم الحد الأدنى من الحياة الكريمة ، ثم أخذت اقرأ عن هذا الرجل الأممي الذي قاد ذلك المليار فوحدهم بالشيوعية على اتساع أقطار دولته وتباعد مدنها وقراها وحقق بهم دولة عظمى ونجح ، وكيف أننا نعجز عن تحقيق الوحدة العربية ونحن العرب لم نتجاوز يومها مائة مليون .

u=1370640290,3129081280&fm=23&gp=0عدت أسأل نفسي وهل الشيوعية هي التي وحدت الصين ؟ ويحكى  كما ذكر الغزالي رحمه الله [في كتابه سر تأخر العرب والمسلمين ص:7] فلو أن الشيوعية قادرة على توحيد الأمم لوحدت ما بين الاتحاد السوفيتي والصين وأوربا الشرقية برمتها ؟!

  فترسخ عندي أن ماو رجل عصامي تتمثل فيه شخصيا لا فيما يحمل من إيديولوجية مقومات قيادية وتربوية تأهله لذلك الانجاز ، لقد قاد شعبا تعداده يومها أكثر من نصف مليار ويتكون من أكثر من 55عرقية في ريف متخلف يعيش حياة فلاحية بسيطة ومتواضعة ينتشر بها الأمراض وأخصها مرض الرمد الحبيبي ، ويطبق عليها الجهل فالشعب الصيني تبلغ فيه الأمية يومها أكثر من 80% ويبلغ تعداد مدمني الأفيون منهم 100مليون نسمة ، يموت بسبب المجاعات أحيانا أكثر من 30مليون . بلد تستعمره بريطانيا واليابان وغيرها من الدول الاستعمارية وتفرض عليه اتفاقيات ومعاهدات غير متكافئة  يوم ، لكنه ضرب اقتصاد المستعمر الياباني إبان حرب اليابان للصين حين قاطع الشاي الياباني فلما تململ الشعب رفع شعار عليكم بالشاي الأبيض وهو ماء ساخن فقط لا زال بعض أطباء البعثة الصينية في مستشفى سيئون يصطحبونه معهم إلى الأقسام والعيادات فيشربونه إلى ما قبل الانفتاح . لقد داوى تفاوت الطبقات ، وأزمات الجوع بالشعارات الماركسية ، لكنه خاض حرب التحرير ومعركة البناء وصراع القوى المستغِلة بقواعد وتراث الإسلام ، صحيح أنه لم يأخذ من الفكر التراث الإسلامي سوى منهجيته في إحداث التغيير ومواجهة التحديات ، ولم يأخذ بجوار ذلك العمق الروحي والجانب الإيماني الذي يوجه إلى الله جل جلاله ويسخر الحركة طريقا إلى جنته وابتغاء مرضاته ، فغاب عنه الهدف الديني أو الإيديولوجي بلغته للفكر والتراث الإسلامي الذي يربط الإنسان بالله بعبودية هي حق الله على عباده مقابل أن يدخلهم الجنة فعن معاذ بن جبل t قال كنت ردف النبي r على حمار فقال : (يا معاذ هل تدري ما حق الله على عباده وما حق العباد على الله) قلت : الله ورسوله أعلم قال : (فإن حق الله على العباد أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئا وحق العباد على الله أن لا يعذب من لا يشرك به شيئا) فقلت : يا رسول الله أفلا أبشر الناس . قال : (لا تبشرهم فيتكلوا) [متفق عليه] هكذا وقر في نفسي وأنا أطالع شهريا الأدبيات الفكرية والثقافية الصينية بالعربية التي ترسل إلي والتي كانت توزع مجانا حتى ذكر أن د. الفنجري في كتاب [الطب الوقائي في الإسلام ص: 177] أن الزعيم الصيني الشهير (ماو تسي تونج) قرأ الكثير عن تعاليم الإسلام وهو يؤلف كتابه الشهير أيضا [الكتاب الأحمر] واستفاد من ذلك كثيرا في ثورته الثقافية  ، ولكن عندما زاره احد المسئولين العرب في بكين ، اخذ  يسأل ماو بحكم خبرته وتجاربه عن نصيحته للأمة العربية في صراعها ضد الكيان الصهيوني والاستعمار الإمبريالي ، فاستغرب (ماو تسي تونج) هذا الأمر وقال لذلك الزعيم العربي : أتسألني عن الطريق الذي تعلمناه منكم ؟ استغرب الزعيم العربي وقال له : كيف ذاك ؟ فقال ماو : إن في تاريخكم الإسلامي من أمثلة الكفاح العقائدي ما هو خير هادٍ لنا في ثورتنا نحن ضد كل عوامل التخلف في الداخل وضد أعدائنا في الخارج ، واستغرب كيف أنكم لم تستفيدوا أنتم منه ؟ لو عدتم إلى تاريخكم لوجدتم أن فيه كل الحلول لمشاكلكم ، ولن تكونوا في حاجة إلى حلول غيركم !!؟ فبهت الزعيم العربي الجاهل بماضيه ولم ينبت ببنت شفه [وانظر كتاب الأستاذ عبد الملك الشيباني : الظهور الإسلامي فجر دائم وشروق مستمر ص:379] فلو كان زعماؤنا من جنس ذي القرنين الملك الداعية  الذي ذُكرت قصته في القرءان في سورة الكهف لكان لماو شأن آخر ولكن : ]وَلَا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَداً [[الكهف23] ]إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَن يَشَاءُ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ[[القصص:56]  

W020100730581755343958 استوقفني بعد قراءة ما كُتب سـؤال : من أين حصل (ماو تسي تونغ ) على معلوماته عن الإسلام وما هي مصادر معلوماته ؟ فرحت أبحث عن الوجود الإسلامي في الصين [وانظر موضوعاً في مجلة رابطة العالم الإسلامي (الرابطة) العدد 538 رجب 1432هـ ـ يونيو 2011م ص : 49 ـ 62بقلم أ . د سامر عبد الحميد نوح جامعة دو شيشا ] ، فوجدته وصل إلى الصين من وقت مبكر جداً ، منذ وصل مبعوث الخليفة الثالث عثمان  t إلى (تشانغ آن) في 25 أغسطس سنة 651م وهو ما تذكره حوليات عهد أسرة (تانغ 618م ـ 907م) وانتشر الإسلام هناك خلال حكم هذه الأسرة كما يذكر الباحث السوداني جعفر كرار أحمد زميل معهد الدراسات التاريخية بجامعة بكين ، كما أن مصادر أسرة (مينغ) تؤكد أن أربعة رجال قدموا من الجزيرة العربية إلى الصين أثناء حياة الرسول محمد r واستقروا هناك . بينما مصادر أخرى تذكر أنَّ بعثة عربية زارت البلاط الإمبراطوري في العاصمة (تسيان) حاليا (شي آن) ورجوعها عن طريق وسط آسيا وبلاد فارس . كما أن النشاط البحري الصيني وصل منتصف القرن الخامس والسادس إلى رأس الخليج العربي ، وتاجر العرب مع الصين قبل الإسلام ، وانتشر الإسلام من المواني الصينية إلى الأعماق . ومشهور استشارة (يزدجرد) الفارسي وطلبه العون من إمبراطور الصين ضد المسلمين ، ونُصح الإمبراطور له أنَّ هؤلاء لو حاولوا لهدوا الجبال ما داموا على وصف رسول (يزدجرد) وطلب منه مسالمتهم وأرض منهم بالمسكنة ولا تهيجهم ..ووصل تثبية بن مسلم إلى مدينة (كشغر) سنة 714م .

u=2956909054,3077502915&fm=23&gp=0 وشارك المسلمون من أصول صينية في إدارة الدولة ، وفي حركة الأدب والثقافة خاصة الترجمة فنشطت حركة الترجمة العربية خاصة ترجمة كتب الرياضيات والهندسة ، ونقلوا مؤلفات ابن سيناء إلى الصينية ، خلال حكم أسرة (سُنغ 907م ـ 1279م) وفي العهد المغولي الذي قضى على حكم أسرة (سُنغ) وتأسست أسرة (إيوان المغولية 1250م) جلبت عشرات الآلاف من العلماء والحرفيين والإداريين المسلمين إلى الصين خاصة بعد سقوط بغداد سنة 1258م ، ثم انتشر الإسلام بين المغول حين أسلم (الإيغور) أكبر قبائل الصين التركمانية المقيمين في (قانسو ومنغوليا) ، وكانت دولة (قبلاي خان) المغولي تتكون في 12 مقاطعة من الصين ، حكم الولاة المسلمين منها 8 ولايات ، وهذا ما ذكره ابن بطوطة في مذكرات رحلته . لقد وصل المسلمون إلى مكانة عالية في الدولة المغولية ، فمنهم نائب رئيس الوزراء ، ومستشار سياسي ، وانتشرت المدارس الإسلامية والمستشفيات ، ويوم غضب سلطان معبر بالهند على أحد تجار عُمان سعيد بن أبو علي العماني رحب به إمبراطور الصين تيمور ولقب وزير . واستخدم المغول التقويم الهجري الذي أعده الفلكي المسلم جمال الدين وأرسله إلى (هولاكو) سنة 1267م .

1101999ewrPD0_bوأدخل الفلكيون المسلمون نظام الأسبوع على التقويم الصيني وكان (تومنجي) الصيني ضمن أعضاء مجمع مراغة الذي أسسه نصر الدين الطوسي بتمويل من هولاكو .

  وبرع عدد من المسلمين في الأدب الصيني منهم الشاعر المسلم سعد الله الملقب (تيان شي) سنة 1272م ، ذلك الذي تناول في شعره : معاناة الفقراء ، والعدل والمساواة بين أبناء الجنس البشري ، ولا زالت كتبه تطبع هناك . والأديبة الصينية المسلمة (يوئيه إيه) بنت جمال الدين كانت تكتب بالصينية . أما العالم المسلم السيد الأجل عمر شمس (1211م ـ 1279م) هاجرت أسرته من الجزيرة العربية ،  وذاعت شهرته في بكين ولعب دوراً فكرياً وثقافياً كبيراً في تاريخ الصين .

  وفي عهد أسرة (مانشو 1644م ـ 1911م) ظهرت قيادات إسلامية وعلماء متخصصون في القرءان والحديث والفقه والتوحيد وغيرها من العلوم الإسلامية ، فكتب الشيخ (وانغ داي يو ، ت . 1660م) فكان أول من كتب عن الدين باللغة الصينية . أما الشيخ (ليؤتشيه ـ وينطق ليوتسي ، ت . 1730م) فقد كتب عن السيرة 20 مجلدا من كتابه : (سيرة خاتم النبيين) استغرق في تأليفه 3 سنوات (1721م ـ 1724م) ونشر لأول مرة سنة 1757م حين استحسنه الإمبراطور (تشيان لونغ) ووضع له مقدمة ، وله أيضاً كتاب : (شرح الطائف) وهو مترجم إلى العربية ، وكان يدَّرس العقائد الصوفية وفلسفة التأمل ، ويكتب من منطق تأثره بثقافة بيئته والمدرسة الكونفوشيوسي حتى أن البروفسور (شيغيروها) المتخصص في الدراسات ذكر أنه قرأ كتاب (سيرة خاتم النبيين) فوجد ما كتبه المؤلف عن الإسلام إنما هو شرح للمنطق الكونفوشيوسي، فقال إنه : لم يطرأ على ذهني أبداً أنه كان يشرح الإسلام ، بل ظننت أنه يكتب عن الكونفوشيوسي بأسلوب منطقي واضح ، فأدركت أن نظام الفكر الإسلامي يفوق الفكر الكونفوشيوسي .

 ويجدر بالذكر أن شيوعية (ماو تسي تونج) أحييت وجددت جوانب من (الكونفوشيوسية) .

  أرخ ابن بطوطة للدولة المغولية في الصين ، وأنهم كانوا يلتقون بالمسلمين في مختلف مدن الصين .

    هذه صلة الصين بالإسلام ، لكن السياسة الاستعمارية والتنافس الاستعماري البرتغالي الهولندي الأسباني ثم البريطاني على مناطق النفوذ في جنوب شرق آسيا وحروبها في الصين والهند ومنشوريا ، وإثارتها النزاع المسلح مع الصين واليابان وروسيا وتأليب إمبراطور الصين من أسرة (منشو) على المسلمين باعتبارهم منافسين أقوياء ، وانقطعت صلة مسلمي الصين بإخوانهم في العالم الإسلامي ما أضعف الإسلامي فكريا وثقافيا ، وأفقدهم الفهم الصحيح فذابت الأقلية المسلمة وسط الأكثرية ، واختزلوا الإسلام في أشكال ورموز ورسوم بعيدة عن لب الدين . وانظر قصة القرية التي كان دينها في الصندوق

  فلما أقام السلطان عبد الحميد علاقات مع مسلمي الصين تحسنت أوضاعهم فأنشئوا معهد إسلامي في بكين سنة 1903م وأول مدرسة لتعليم اللغة العربية ، لكن قيام الثورة في عموم الصين وإعلان الجمهورية في أكتوبر سنة 1911م غير مسار الأحداث فعم الجهل مسلمي الصين ، رغم أن المسلمين أيدوا الثورة والجمهورية ، بل وأعلن (صن يات صن) أن الأمة الصينية تتكون من خمسة شعوب هي : الهان ، والمانشو ، والمنغ والهوي (المسلمون) ، والتسانغ . منحت هذه الشعوب في القانون الأساسي الصادر عام 1930م حقوقاً متساوية ،وحرية دينية ، فكانت مشاركة المسلمين في الحركة الوطنية إيجابية ، وتعاوتوا مع نظام الحكم الجديد ، وألقى الزعيم الصيني (ماو تسي تونج) قصيدة مما جاء فيها :

إنَّ تجاوب الفلاحين المسلمين مع جيش ماو

لم يكن موضع شكٍ أو جدل .

فبعد ألف عامٍ سقطت أسرة المانشو

  إذ كانت الجحافل الحديدة بقيادة الزعيم المسلم (مابن تشاي) هي التي أوقفت تقدم اليابانيين إلى الأراضي الصينية أثناء احتلالها للصين ما بين عامي (1937م ـ 1945م) فلم تستطع القوات اليابانية دخول إقليم تركستان الشرقية .      

   وتوجهت أول بعثة من أبناء المسلمين للدراسة في الأزهر سنة 1931م منهم : (عبد الرحمن جونغ) الذي تخصص في التاريخ الإسلامي والشيخ محمد مكين العالم المشهور .   

  وفي انتخابات الحكومة الوطنية عام 1946م حصل المسلمون على 100 مقعد في البرلمان ، وكان منهم حكام مقاطعات ، وشاركوا في الوزارة ، وكان منهم أول وزير دفاع بعد الحرب العالمية الثانية . لكن هذا الإنجاز لم يدم طويلا ، فقد اتخذ (ماو) بدءً من العام ى1954م وبعد إعلان الثورة الثقافية عام 1967م موقف العداء من المسلمين ، وربما كان للمؤامرات الخارجية المدعومة من روسيا دوراً في ذلك .

   لكنني تألمت كثيراً عندما عرفت أن ماو قد مارس كل أنواع الاستبداد والاستعمار الاستيطاني لقرى ومدن وأقاليم المسلمين في الصين فهاجمت الثورة الثقافية الإسلام ، ونالت من تعلم المسلمين ومن تراثهم ، وأغلقت المساجد وحُضر السفر للحج وهُجَّر المسلمون . حين اعتبر المسلمين طابوراً خامساً داخل البلاد ، والأصل أن يرد الإحسان لهم بحسن معاملتهم، فقد رفعت الحكومة الصينية شعار اضرب بقوة في إقليم تركستان الشرقية المستعمرة المسلمة الواقعة تحت الاحتلال الصيني منذ معاهدة سانت بطرسبورج بين الصين وروسيا القيصيرية عام 1881م . تعرفت على هذا الإقليم المسلم من خلال قراءتي فجمعت عنه المعلومات التالية :  

  تبلغ مساحة تركستان الشرقية 1.7مليون كيلومتر مربع أي ما يعادل ثلاثة أضعاف مساحة فرنسا وضعف مساحة إندونيسيا ، ويبلغ تعداد سكانها 50مليون نسمة 90% منهم مسلمون (الأويجور). اتبع المحتل الصيني سياسية استيطانية في تركستان الشرقية وهي عين ما يطبقه اليهود الصهاينة في فلسطين . فمنذ حركة الشيخ علي خان توره ساغوني عام 1944م وإعلانه استقلال الإقليم وتشكيل حكومته احتلت الصين الإقليم من جديد سنة 1949م بعد الثورة الثقافية الماوية الشيوعية بالتعاون مع الاتحاد السوفيتي ومن يومها بدأت سياسية الاستيطان ، فلقد كان سكان الإقليم آنذاك من الصينين (شعب هان) 2.5% تزايدوا إلى 30% حاليا أو حسب بعض المصادر 45% حيث تستثمر الصين مليارات اليونات (العملة الصينية) لتحديث المنطقة وبناء العمارات الكبيرة لمسخ هوية الأويجور بتوفير سكن لآلاف آخرين من الصينيين لإعادة توطينهم هناك ، بل وغيروا اسم الإقليم الغني بالموارد الطبيعية من نفط ومعادن ومواد خام إلى اسم سينغيانغ أو سيكيانج ومارسوا الاستبداد والقمع ضد المسلمين مستغلين الحرب على الإرهاب ومحاولة ربط مصير المجاهدين هناك من أجل الحرية بمصير القاعدة وطالبان فتعرض مسلمي الأويجور في الإقليم للاضطهاد والقمع وأفادت بعض المصادر الغربية أن القانون الصيني يحاصر النشاط الديني في المدارس والبيوت فتذكر إحدى الوثائق : لا يجوز للأهل والأوصياء الشرعيين السماح للصغار بالمشاركة في النشاطات الدينية [انظر تقرير منظمة هيومان رايتس ووتش عام 2005م بينما كشفت صحيفة الصنداي تايمز يوم 22يوليو 2007م ما يتعرض له المسلمون الأويجور في منطقة تركستان الشرقية في الصين من قمع وتعذيب ومحاولة طمس الهوية تحت غطاء (الحرب على الإرهاب) لضمان تأمين استغلال الغاز والنفط في تلك المنطقة الغنية بالموارد الطبيعية . ما كنت أصدق تلك المصادر الغربية لكونها معادية أو حتى ما تبثه سيدة الأعمال الأويجورية الموجودة في المنفى (ربيعة قدير) لاحتمال أن تكون قد وظفت من قبل الأمريكان والغرب لتحقيق مكاسب سياسية في الضغط على الحكومة الصينية التي تستعصي على النظام العالمي الجديد بقيادة أمريكا حتى جاءت دورة الألعاب الأولمبية في بكين 2008م  فاستغل الفرصة أبناء الأقليات الصينية من مسلمي الأويجور إلى جانب سكان التبت للتعبير عن ما يعانونه من انتهاكات لحقوق الإنسان وأسوأ اضطهاد ضدهم . 

إنني أعجب كل العجب من دولة عظمى اقتصاديًا كالصين وذات ثقل كبير في توجيه السياسة العالمية فإذا هي تعجز عن حل مشكلة الإيغور المسلمين في الشمال الشرقي منها ، وتترك للاعب الأمريكي وحده أن يقود سير الأحداث في عمق بلدها ، ويستغل حقوق إخواننا المستضعفين لإحداث توتر كلما أراد ذلك لا بغرض إنصافهم فديدنه الكيل بمكيالين  ، وإنما بهدف ابتزاز هذا العملاق كما رأى الفرصة متاحة  .

  ألا تتفقون معي كأصدقاء أن الصين أقرب إلينا نحن المسلمين من أمريكا المتعجرفة لكن ما نسمعه عن إخواننا المسلمين فيها يحزُّ في نفوسنا ، ألا يستطيع العملاق الصيني أن يدخل في حوار مع مواطنيه ! فأنى له أن يقود العالم ؟ وأنى له أن يفتح صفحة مشرقة مع الشعوب المسلمة في العالم ؟ إنني أتمنى أن يسود جو الحوار بين مسلمي الصين وحكومتهم لا بهدف ارتهان المسلمين لتقلبات السياسة كما تفعل أمريكا التي تقود النظام العالمي اليوم ولكن من منظار آخر يراعي حق الإيغور في حياة حرة كريمة . بل من خلال إقرار أن لكل إنسان له تصوره عن الإله (عقيدة راسخة) لا يفرط فيها أو يتنازل عنها ، هذا هو المشترك الأسمى . فماذا علينا عمله تجاه هذا المشترك ؟ إذ لا مجال لتغيير العقائد إلا أن يشاء الله و العنف والجبر محال أن يغير عقيدة إنسان بقدر ما يقود إلى خرابٍ ودمار ، فحروب العقيدة من أشرس حروب الدنيا وأشدها دموية ، لا تتوقف إلا بالفناء للطرفين . فلا ينبغي إكراه أحدٍ على تغيير أو تبديل دينه وعقيدته . هذا هو المشترك الأسمى وبهذا يتم علاجه كل ما حولنا من صراع فيسود الوئام والتنوع الثقافي .

 بقلم الاستاذ : محمد يسلم بشير

إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص