حضرموت اليوم / سيئون / هدار محمد الهدار :
رحل ليلة 27 من رمضان المباركة رجل من رجالات سيؤن وحضرموت الأفذاذ ... رحل قامة تربوية أدبية وطنية كبيرة .. أفنى عمره في خدمة الأجيال بتفاني وإخلاص وتواضع ساهم بجهده وفكره في تنوير العقول وشحذ الهمم من أجل الأمة وقضاياها على المستوى المحلي والعالمي ,,
اليوم ستبكيه بقاع كثيرة في حضرموت واليمن والجزيرة العربية وغيرها من البلدان الإسلامية بما له من صلة بالكثير ممن تعلم على يديه أو استنار بفكره وتذوق شعره أشتهر بين الأجيال بهمته العالية في الترحال ونسخ المآثر الكتابية من أنفاس السلف الصالحين من دواوين ومكاتبات وغيرها بخطه الجميل المميز .
وسيذكره رفقاء الحماس الوطني بمواقفه الصلبة القوية في نصرة قضايا الوطن بما كتبه وسطره في الصحف المحلية والوطنية وما دونه من شعر وطني واكب به كل مراحل التغيرات السياسية من عصر الاستعمار إلى هذا العصر .
يعجز القلم أن يسطر في هذه اللحظات العصيبة أن يفي لهذه الشخصية حقها من التأبين .
ولد الفقيد الأستاذ التربوي المخضرم عمر بن عبدالرحمن بن علي السقاف في مدينة سيؤن عام 1346هـ ونشأ في بيئة علمية ، فتعلم أولا في علمة جده طه بن عمر والتحق بمدرسة النهضة العلمية في أوج عصرها الذهبي وتخرج منها بعد أن نال قسطا وافرا من العلوم الدينية والعربية وحافظا لألفية أبن مالك في النحو مستفيدا من علوم ومعارف الشيوخ الأفذاذ في ذلك العصر كالعلامة محمد بن هادي السقاف والعلامة أحمد بن موسى الحبشي والعلامة علي بن عبدالقادر العيدروس وغيرهم من الشيوخ المربين .
التحق بسلك التدريس مبكرا أبان انتشار تأسيس المدارس الأهلية في الوادي فكان له الدور الريادي في وضع اللبنات الأولى لكثير من المدارس الأهلية في كل من القطن وسيؤن وبور ودوعن وغيرها وانتظم مدرسا فذا في المدارس الحكومية من عهد السلطنتين الكثيرية والقعيطية وكان له الدور البارز الرئيس في تأسيس مدرسة التعاون الأهلية بسحيل سيؤن عام 1946م وكان يساعد في وضع المناهج المحلية الكفيلة بغرس المعارف الأساسية وأسهم خلال تلك الفترة في تنوير المجتمع من خلال كتابة المقالات الصحفية والقصائد الشعرية في بعض الصحف التي حررها بنفسه مع بعض زملائه وفي الصحف الأخرى المحلية والوطنية .
شارك بايجابية في العمل السياسي الطامح إلى تحسين الوضع العام للشعب الحضرمي واليمن وتعرض بسبب مواقفه الشجاعة والحرة في كثير من المظاهر الفاسدة إلى السجن أكثر من مرة والمضايقة طيلة فترة التربوي مما أضطره إلى طلب التقاعد عام1982م بعد أن تخرج على يديه الكثير من الشخصيات الوطنية والعلمية والأدبية فتفرغ بعد ذلك لخدمة مآثر أسلافه بنسخ الكثير من مأثوراتهم الكتابية المخطوطة بخطه الجميل المميز وتوثيق الكثير من المناشط التراثية التي ضعف الاهتمام بها في تلك الفترة فكان أن تصدى لهذه المهة وخلف المئات من المجلدات المخطوطة من مناقب ودواوين ومكاتبات وغيرها بدون مقابل ابتغاء وجه الله تعالى .
واستمر في نفس الوقت صارحا بكلمة الحق عبر ما تجود به
قريحته الشعرية وتسطر أنامله فكان في بعض الأحيان لقوة ما يكتبه وخطورته ينشره باسم مستعار .
عرف بين الأوسط الاجتماعية بتواضعه واندماجه في كافة الشرائح والعمل على بث روح الألفة والتسامح بين كل الأفراد على أساس قاعدة ما أسسه الأوائل من روابط اجتماعية تكفل للجميع مقاماتهم .وظل بيته مفتوحا طيلة حياته لهذا المناشط وغيرها .
لا يسعنا المقام ونحن في مواجهة هذا المصاب الجلل أن نستشهد بأمثلة حية من شعره ومقالاته ولعل الزمان يسنح لنا بكتابة ترجمة وافية تليق بمكانته .
ونجن في هذه الليلة الرمضانية المباركة ليلة السابع والعشرين من رمضان المبارك حيث أختار المولى تبارك وتعالى أن يقبض روحه فيها نتوجه إلى الله سبحانه وتعالى أن يتغمد فقيدنا وحبيبنا وجدنا الأستاذ التربوي المحضرم عمر بن عبدالرحمن بن على السقاف بواسع رحمته وأن يجعله من المعتوقين الفائزين برضا رب العالمين وأن يلهم أهله وذويه وتلاميذه ومحبيه الصبر والسلوان وعظم الله أجرهم جميعا في هذا المصاب الجلل.
ولعل الأوساط الأدبية والتربوية والصحفية والاجتماعية تساهم في نعيه وتأبينه بما هو أهله من التقدير والأعتزاز .
رحمه الله تعالى وأعلى درجته وإنا لله وإنا إليه راجعون .